مع غزّة: راما وهبة

27 ابريل 2024
راما وهبة
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشاعرة السورية تعبر عن معاناتها وتساؤلاتها حول الوضع في غزة، مؤكدة على ضرورة الانتقال من مجرد متفرجين إلى أفعال تحمل جزءًا من الألم الفلسطيني.
- ترى الكتابة كفعل مقاومة وتسعى لإعادة كتابة التاريخ من خلال عمل روائي يستكشف جذور الصراع في فلسطين، مؤمنة بأهمية الأعمال الإبداعية في تحريض الوعي.
- تختتم بالتعبير عن أملها في عالم يسوده التآلف والحرية، مشددة على أهمية النضال والعمل الإبداعي في مواجهة الاستيطان والظلم، وتوجه كلمات الدعم لأهل غزة والإنسان العربي.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة، وكيف أثّر في إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "كيف نخرج من صفوف المُتفرِّجين؟" تتساءل الشاعرة السورية في حديثها إلى "العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- أنظر إلى ما يحدث في غزّة اليوم وأسأل إن كان الواقع واقعيّاً. حرب المائة عام ما زالت مستمرة على الأرض التي تنزف روح كلّ إنسان يرى شعباً يُباد بكلّ الطرق الوحشيّة، بينما هناك من يجلس على رأس سلطته، يدين ويستنكر متاجراً بالدّم والأرض وما يبقينا بشراً نستحق الحياة. الهاجس الذي يشغلني هو كيف يمكن أن نخرج من صفوف المتفرّجين؟ كيف نحمل شيئاً من الصّرخة التي أطلقها أب فلسطينيّ وهو يحمل أشلاء أطفاله في كيس؟ تلوح لنا الضفّة الغربيّة منذ عقود كأرض مجازر وإبادات، بينما هي الضفّة الإنسانيّة التي تحمل جرح الولادة. الجميع يرى فلسطين اليوم، لكنّ النّاجين وحدهم من يعلمون أنّها المكان الذي يبدأون منه.


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- لا يمكن الادِّعاء أنَّني أعيش الحرب في فلسطين كما يعيشها الفلسطينيِّون في غزَّة، كما لم أفعل ذلك في سنوات الحرب في سورية. صحيح أنّني أؤمن بالكتابة كفعل مقاومة، لكنّ السّؤال المؤرّق دائماً هو ما الذي أكتبه والقنابل تهدم البيوت وتبتر الأطراف؟ هذا ما جعلني أفكّر بالعودة إلى جذور هذا الصّراع الدّموي في عمل روائي تدور أحداثه في بيت لحم، فلا بدَّ من إعادة كتابة التَّاريخ هناك، والتَّدقيق في كلِّ حدث، أو رسالة، أو فكرة أدَّت إلى جعل أرض فلسطين قلب العالم الذي، رغم قداسته، قد ينفجر في أيّ لحظة.

أحلم مثل بقيَّة الحالمين أن يكون لكلِّ حرف جسدٌ يقاوم

■ إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- الأعمال الإبداعيَّة ليست مجرد شاهد تاريخيٍّ على الأحداث والوقائع، وإن كان هذا جزءاً من تكوينها، لكنَّه في كثير من الأحيان الجزء المحرِّض للبحث عن إمكانات أخرى لإضاءة أماكن في الفكر والذَّاكرة مُغيَّبة ولم نكن نعرف أنَّها موجوة من قبل. ما يحمله الكتاب لا يقوى على حمله أيُّ وجود ماديٍّ آخر، لأنَّه في ماديَّته يتخطى وجوده الفيزيائيِّ إلى وجود لامتناه يمكن إنعاشه في أيِّ لحظة، متجاوزاً الحدود، والهويَّات، والاختلافات العرقيَّة والإيديولوجيَّة بيننا، وهذه هي ميزة الكتابة التي تخترق الوعي إلى مجالات اليقظة الحالمة بعدالة وحريَّات تتماهى مع الإنسان الذي يريد أن يكتشف في رحلته آفاقاً لا تتوقَّف عن السَّيلان والولادة، ويختبر بكينونته معنى العيش. الاستيطان الإسرائيليُّ لا ينحصر في حقول الدَّم التي يحرثها على تلال الأرض الفلسطينيَّة، فهو أيضاً استيطان للعقول التي لها السُّلطة وتتحكَّم بمصير الأمم. 


■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- أذكر أنَّني في عمر عشر سنوات تقريباً شاهدت لقاءً تلفزيونيَّاً مع المناضلة اللُّبنانيَّة سهى بشارة، ولا أقصد الكلام هنا عن نضالها باسم حزب ما أو جهة معيَّنة، ولم أكن حينئذ أعرف معنى ذلك. لكنَّني أذكر حديثها عن وجودها في زنزانة إسرائيليَّة وكيف كانت تتسلق جدرانها مستخدمة أطرافها الأربعة للصُّعود إلى كوَّة صغيرة في الأعلى تتبين من خلالها مواقيت النَّهار، وحركة الضبَّاط العسكريِّين في الخارج، وتقدير عدد الأسرى المعتقلين. طغى هذا المشهد على حواسي، وشعرت أنَّ هذه المرأة إنَّما تتحدَّث إليَّ كما لو أنَّ العالم من حولنا أخرس. ربَّما كانت تلك اللَّحظة هي الأولى التي أكتشف فيها الفرق بين اللُّغة والفعل. نعم، أحلم مثل بقيَّة الكتَّاب الحالمين أن يكون لكلِّ حرف جسد يقاوم. وحين تحدَّثت تلك المناضلة عن آثار التَّعذيب والتَّشوُّهات التي تحملها في جسدها شعرت أنَّني أرى في ابتسامتها ملامح أجمل امرأة في العالم. 


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- في إحدى محاضرات ميشيل فوكو يقول: "الحيوان في الطَّبيعة هو مثل الماء في الماء". وصدف أنَّنا لسنا من جنس الحيوانات ولا من طبيعة النَّبات، فكيف نحقِّق التآلف في العيش ونصل إلى النِّعمة التي استحقَّتها بقيَّة الكائنات رغم أنَّها لا تفكِّر ولا تحلم ولا إرادة لها؟ هذا لا يعني أن نفكِّر في الإنسان كما نفكِّر في وعل بريٍّ أو شجرة في العراء، وهو بالطَّبع أكثر تعقيداً في تكوينه، لكنَّه مثلهما يحتاج إلى شرطه الحيويِّ في البقاء، يحتاج إلى الحريَّة.


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟

- قد لا أنتهي من الإجابة عن هذا السُّؤال، وفي رأسي بدأ مهرجان احتفاليٌّ تجد فيه غاندي يرقص مع مايا أنجيلو ولانغستون هيوز، لكنَّني أودُّ لو ألتقي بوذا وأسأله: لماذا لم تؤلِّف كتاباً؟ وإن كان يعلم أنَّ تعاليمه تحوَّلت إلى إحدى أكثر الدِّيانات انتشاراً في العالم أيضاً.


■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟

- كنت أسمع أُمِّي في اتِّصال هاتفي تقول لشقيقتي حين تضيق بها الأحوال: "تعالي إلى بيت أهلك، تعيشين كما نعيش وتأكلين كما نأكل". أودُّ حقاً أن أقول لأهل غزَّة ما كانت تقوله أُمِّي.


■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- أتكلَّم مع الإنسان العربيِّ كما أتكلَّم مع أيِّ إنسان آخر وأقول له: فكرِّ في لغتك كما لو كانت لغة الآخرين، تحدَّث بلسانهم لترى أنَّ الألم مثل الفرح، عامٌّ ومشترك.


■ حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟

- أقول لدارين ولأطفال فلسطين ما قاله الشَّاعر الرُّوماني هوراس: "هشِّم العالم عليَّ لو شئت، فسوف يسقط على رأس لا يعرف الخوف".



بطاقة

كاتبة وشاعرة سوريَّة من مواليد حلب عام 1985، حاصلة على درجة الدُّكتوراه في الأدب المُقارَن من جامعة دمشق. نشرت العديد من النُّصوص الشِّعريَّة، والدِّراسات الأدبيَّة والنَّقديَّة، في مجلَّات وجرائد عربيَّة وأجنبيَّة. صدر لها أوَّل كتاب شعريٍّ "رأس الوعل" (2023)، عن دار التَّكوين، ضمن مختارات يشرف عليها الشاعر أدونيس.
 

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون