مع غزّة: آمال قرامي

23 مايو 2024
آمال قرامي
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأكاديمية والحقوقية التونسية تنادي بضرورة تغيير النظام العالمي ومعالجة الوضع في غزة من جذوره، مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وضرورة محاسبة الدول المتواطئة.
- تأثرت حياتها اليومية والإبداعية بالعدوان على غزة، مما أدى إلى تركيز كتاباتها على القضية الفلسطينية، واعتبرت فلسطين براديغما يوجه فهمها للحياة.
- تعتبر العمل الإبداعي وسيلة فعّالة لمواجهة حرب الإبادة، مشددة على أهمية التعريف بالإنتاج الفلسطيني كفعل مقاومة والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "تغيير النظام العالمي بتناقضاته صار مطلباً جماهيرياً"، تقول الأكاديمية والحقوقية التونسية في حديثها لـ"العربي الجديد".


ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
ما يشغلني خلال هذه الأسابيع، الخطابات الرسمية الصادرة والتي تعمل على تحويل وجهة النقاش من ضرورة اتّخاذ قرار بوقف الإبادة، أي معالجة الوضع الحالي من جذوره، إلى التفكير في الجهات التي ستُشارك في إعمار غزّة؟ ومن سيحكُمها؟ أي التفكير في المستقبل، والحال أنّ مشكلة الفلسطينيّين هي حَسْم قضيّتهم بطريقة عادلة وإنصافهم من خلال مساءلة المؤسّسات والمنظّمات التي فشلت في إدارة هذه القضيّة، ومُحاسبة الدُّول المتواطئة مع الكيان المارق من أجل إبادة الشعب الفلسطيني وشطب تاريخه وهويّته. هذه الخطابات الرسمية تُثبِت استمرار أصحابها في مُمارسة الهيمنة والوصاية على الفلسطينيّين والنطق نيابة عنهم. هاجسي هو كيف يُمكن إقناع الدُّول الإمبريالية والاستعمارية بضرورة التعامل مع الفلسطينيّين/ات باعتبارهم أصحاب الأرض والحقّ، ومن حقّهم تقرير مصيرهم، فهُم ليسوا "موضوعاً" بل ذوات فاعلة وقادرة على أن تُقرِّر وتُخطِّط وتُفكِّر في مستقبلها. إنّ من يُقرّر مصير غزّة هو الشعب الفلسطيني ولا أحد سواه.


كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
لا تزال متابعة ما يجري ومشاهدة الصور والفيديوهات من ضمن أولويّاتي، وهي تؤطّر نمط حياتي وتُسيِّج اهتماماتي. وبالرغم من تأثيرها السَّلبي على صحّتي النفسيّة على وجه الخصوص، فأنا مُلتزمة بالمتابعة حتى لا أنسى مُعاناة هذا الشعب وحتى أُثمِّن ثباته على حُبّ الأرض وتشبُّثه بحقّه في أن يعيش بكرامة. أمّا على الصعيد المهني والثقافي فقد قلّصتُ مشاركاتي وأنشطتي إلى الحدّ الأدنى، وصارت افتتاحياتي في ''جريدة المغرب'' مُخصَّصة لتناول ما يجري في غزّة من زوايا متنوّعة. إنّ الذاتيّ يتوارى أمام هول ما يحدُث بل صار تناول اللقمة مُخجلاً أمام مجاعة تستفحل. وأعتقد أنّ فلسطين أصبحت "براديغماً" يُوجّه فهمنا ورؤيتنا للحياة ولأدوارنا.


إلى أي درجة تشعرين بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
المسألة في تقديري نسبيّة. كلٌّ يُحاول أن يُقاوم من موقعه وبالوسائل المُمكنة والواقعية التي يمتلكها. لذا، فإنّ التعريف بالإنتاج الفلسطيني صار اليوم واجباً يُقدَّم على الانهمام بالتعريف بالمُنجز الإبداعي الشخصي. إنّه حفظ للذاكرة الفلسطينية والتراث وتعريفٌ بمَن حُرِموا من التعبير ومن الحقّ في الاحتفاء بإبداعهم/نّ. وعندما تُقرّر أغلب الجامعات الغربية حجب النصوص وإيقاف الدروس ومصادرة المؤلّفات التي تتناول الفلسطينية يغدو تناول الإبداع الفلسطيني فعل مقاومة. ولا شكّ في أنّ ما سيُكتب حول هذه الإبادة سيكون حريّاً بالدراسة ووضعه تحت المجهر.

في ظلّ المنع بات تناول الإبداع الفلسطيني فعل مقاومة


لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟ 
أنا لا أفصل بين هذه المجالات التي تُساهم في تشكيل الوعي، لذلك فأنا دائماً أتموقع باعتباري جامعيّة وناشطة حقوقية. وما دام الشخصيُّ سياسياً فلا وجود لحدود تفصل بين مختلف الأدوار والأنشطة والمسارات. وليست الكتابة إلّا محاولة للمقاومة ووسيلة للتمسُّك بالحياة ولإثبات الفاعلية والقُدرة على التواصُل بين الأنا والآخر. وبناء على ذلك، فإنّني راضية عن المجالات التي أتحرَّك منها ولا أرتضي غيرها.


ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
أمام توحّشّ العالَم تغدو الأنسنة مطلباً وهدفاً. وأمام أزمة الأخلاق والقيم يُصبح التفكير في أسباب هذه الأزمة وفي التحوّلات الطارئة على منظومة القِيم ومحاولة فهمها ضرورياً. وعندما تفشل المنظّمات والهيئات ومُختلف المؤسّسات في تحمُّل مسؤوليّاتها الأخلاقية وتطبيق القوانين على الجميع، والالتزام بالمبادئ الإيتيقية يصبح تغيير هذه الأطر والمؤسسات مطلباً جوهرياً، وهو يشمل تغيير أدوات التحليل والفهم والعمل وزوايا الطرح إذ ما عاد بالإمكان التعويل على أدوات التفكيك التقليدية، والنظريات القديمة أو تلك التي أثبتت عدم نجاعتها. إنّ التغيير من فوق كشف عن محدوديّته وعلى هذا الأساس صار من واجب الشعوب السعي إلى إحداث التغيير من الأسفل وبالاعتماد على فاعلين مختلفين ظلّوا لسنوات، غير مرئيّين ومهمّشين. وأعتقد أنّ تغيير النظام العالمي الذي يعجُّ بالتناقُضات وتُحرِّكُه الاستقطابات... ذاك الذي فقَد بوصلته صار مطلباً أساسيّاً.

الكتابة محاولة مقاومة وتمسُّك بالحياة لإثبات الفاعلية


شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟ 
لا يُمكن اختزال الإجابة في اسم فلسطيني/ة واحد/ة، ففي ذلك ظُلم للآخرين (فدوى طوقان، ومي زيادة، وسحر خليفة، ومحمود درويش، وغسان كنفاني، وناجي العلي، وجبرا إبراهيم جبرا، ورحاب كنعان، وآن ماري جاسر...) ولكن يُمكن استلهام هذه التجارب لأنّها علّمتنا فنّ المقاومة وأشكال الصمود وأثبتت لنا أنّ المقاومة الفلسطينية صلبة ومستمرّة.


■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟
لقد تعلّمنا منكم/نّ دروساً في الوطنية والشجاعة والصبر، والقُدرة على التحمُّل، والبحث عن البهجة في زمن الدمار والقهر. وهي دروس لا تُنسى، إذ كيف يُمكن للمرء أن يتعامل مع الموت والرعب والقهر بكلّ هذا الجَلَد؟ وكيف له أن يستمرّ في نقل المعلومة والبحث عن الحلول ورعاية المروّعين والجرحى والانشغال بالطبخ والتنظيف والتعليم، وهو مُحاصَر بالدبّابات ومستهدَف في كلّ لحظة؟ وها قد صرنا نتداول عبارات فلسطينية قالتها الجدّات والأمّهات والفتيات، ومختلف الفئات التي تُناضل من أجل الحقّ في الحياة بكرامة. لا معنى لتحليل خطابات الصمود والمقاومة دون استحضار التجربة الفلسطينية.


كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
كتابة سردية الخذلان والتواطؤ عسيرة ومُوجعة، ولكنّها لا محالة ستُكتَب لتُعرّي الانكسار والضعف والسقوط. وليست الغاية  من وراء الكتابة جَلْد الذات بل محاولة فهم ماذا حدث؟ وما الذي أوصلنا إلى هذه الحال من الهشاشة والضعف والذلّ؟ لقد انكبّ جيلٌ عايش هزيمة 67 على التحليل ومُمارسة النقد الذاتي، واليوم جاء دور الأجيال التي عاينت تواطؤ أغلب الأنظمة مع الكيان الصهيوني، لتنهض بمسؤوليتها التاريخية والمعرفية فتنتج معرفة مفيدة ومتحرّرة من الأطر المعرفية التقليدية والخاضعة للاستعمار والإمبريالية. 


حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟
دارين، أنت في القلب، سيُزهر الورد ذات فجر لا تيأسي. إنّ ذاكرة أطفال وطفلات فلسطين مشحونة بتفاصيل الحياة اليومية اللّاإنسانية وتجارب الفقد والرُّعب والحزن والشقاء والحرمان من الحاجات الأساسية. وهي مُثقَلة بصُور ومشاهد مروّعة لن تزول بالمُواظبة على حضور جلسات علاج الصدمات وبرامج الترفيه وإعادة التأهيل وغيرها. هذه الذاكرة هي مفتاح لفهم الحاضر والماضي والمستقبل ولا خيار لكُم/نّ سوى الدفاع عن الحقوق المشروعة: الحقّ في الأرض، والحقّ في الحياة بكرامة، والحقّ في تقرير المصير. فلتغفروا لنا ''ترحيل'' الصراعات المُتراكِمة إليكم وتحميلكم مسؤولية فضّ النزاعات وتغيير العلاقة مع الآخرين حتى يتعاملوا مع الفلسطينيّين باعتبارهم أصحاب الأرض، ولهُم دولة وشعب يُقرّر ويختار ويحلم ويَطمح ويُسائل الدّول ويُحاسب ويُطالب بالاعتذار الرسمي عن أفظع إبادة جماعية ارتُكبت في هذا القرن أمام مرأى ومسمع الجميع.


بطاقة
أكاديمية وناشطة حقوقيّة تونسيّة تعمل أستاذة في "الجامعة التونسية". تركّز في كتاباتها على شؤون الجندر وحرّية المرأة والحرّيات العامّة. من مؤلَّفاتها: "قضية الرِّدّة في الفكر الإسلامي" (1996)، و"الإسلام الآسيوي" (2006)، و"الاختلاف في الحضارة العربية الإسلامية: دراسة جندرية" (2007)، كما أصدرت أوّل مجلّة مُحكّمة خاصّة بالدراسات الجندرية في العالم العربي بعنوان "عدسات جندرية''، وهي رئيسة تحريرها

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون