أطلقت وزارة الثقافة الأردنية، منذ أيام، سلسلةً من معارض الكتاب التفاعلية في مراكز المحافظات؛ الزرقاء وإربد والكرك والسلط والمفرق وجرش وعجلون ومادبا والطفيلة ومعان والعقبة، بالإضافة إلى عمًان، وهي معارض تُقام في إطار "البرنامج الوطني للقراءة"، الذي كان قد أُعلن عنه العام الماضي ضمن "الخطّة الاستراتيجية التنفيذية 2021 - 2025"، استناداً إلى "فلسفة جديدة" لتنظيم جهود الوزارة و"المكتبة الوطنية" في مجالات نشر المعرفة وتشجيع القراءة، بحسب نصّ الإعلان.
اختار المنظّمون انعقاد هذه المعارض كجزء من فعاليات "مهرجان صيف الأردن"، التي افتُتحت مساء الخميس الماضي، الحادي والعشرين من تمّوز/ يوليو الجاري، وتتواصل حتى الخامس والعشرين منه، من دون الإشارة إلى إمكانية انتظامها في الموعد نفسه من كلّ عام.
وطرحت الوزارة برنامجها الوطني للقراءة بناءً على مراجعة أتت في ضوء تراجع حجم إصداراتها، حيث عزت أسباب ذلك إلى الضعف النوعي في برامج الإنتاج الثقافي، وتركيزها على مجالات محدّدة دون غيرها، ومحدودية التعريف والترويج للمنتج الإبداعي الأردني، وضعف الانتشار، إضافة إلى أن صناعة النشر في الأردن مكلفة نسبياً ولا تحظى بالدعم الكافي، كما أن حالة الترجمة ضعيفة، سواء أكان ذلك من جهة المساهمة في الترجمة إلى اللغة العربية - لا سيما في الموضوعات التي تتعلّق بالأردن - أو ترجمة الكتاب الأردني إلى اللغات الحيّة الأخرى.
لم تشارك الدُّور في عرض إصداراتها ووضع البرنامج الثقافي
ورغم تأكيدها على أن "برنامج مكتبة الأسرة الأردنية" - مشروع النشر الأساسي لدى الوزارة - حقّق نجاحاً ملحوظاً في السنوات الماضية، وبات اليوم بحاجة إلى المزيد من التطوير والارتقاء، إلّا أن المتتبّع للعناوين الصادرة بعد هذه المراجعة يلاحظ تعميق نهج الترضيات في اختيار مؤلّفيها، وتراجع نوعية مضامينها، بل يمكن القول إن جزءاً كبيراً منها يتضمّن محتوىً رديئاً، قياساً بإصدارات سابقة.
بالعودة إلى معارض الكتب التفاعلية، لا بد من الإشارة إلى أن أطرافاً رسمية وشعبية عديدة سعت ــ على مدار السنوات السابقة ــ إلى تأسيس تظاهرات مخصّصة للقراءة والكتاب في أكثر من مدينة أردنية، لكنّها كانت تُقام لمرّة واحدة على الأغلب، وربما لا تكون عمّان أفضل حالاً؛ إذ لم ينتظم معرضها الدولي إلّا قبل سنوات قليلة.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يشير صاحب "دار أزمنة"، الباحث والناشر يوسف ربابعة، إلى عدم تواصل وزارة الثقافة مع "اتّحاد الناشرين" بما يضمن مشاركة أوسع لدور النشر الأردنية، بدلاً من الاكتفاء بتوزيع منشورات الوزارة في المعارض المحلّية بهدف عرضها بأسعار رمزية، خصوصاً وأنّ هناك إمكانية - بحسب ربابعة - للتفاهم مع الناشرين من أجل تقديم إصداراتهم بحسومات مناسبة.
من الضروري إيجاد مرجعية موحّدة لمعارض الكتاب المحلّية
ويلفت، أيضاً، إلى ضرورة توفير فضاء دائم لإقامة معارض المحافظات، خصوصاً وأنّ المساحة المطلوبة ليست كبيرة، ومشاركة دور النشر في وضع البرنامج الثقافي ضمن تنسيق مركزي مع الجهة المنظّمة، ما يتيح إمكانية إقامة ندوات وأمسيات شعرية وقصصية وحفلات توقيع كتب بحضور المؤلّفين، وبذلك لا يبقى المعرض مجرّد نافذة للبيع.
كما دعا ربابعة إلى إيجاد مرجعية موحّدة، من خلال تأسيس هيئة أو مؤسّسة للمعارض المحلّية، أو واحدة في كلّ محافظة على حدّة، يكون من أُولى مهامها خلق شراكة حقيقية مع الجامعات ووزارة التربية والتعليم والمؤسّسات الأهلية في المحافظات لتخصيص ميزانية لدعم المعرض، حتى لا تنزاح أهدافه إلى البُعد التجاري لاحقاً.
من جهتها، صمّمت وزارة الثقافة برنامجاً لكلّ معرض تفاعلي يضمّ عروضاً لمسرح الدمى والحكواتي وورش كتابة إبداعية للطفل وعروضَ أفلام وثائقية وموسيقية ومعرضاً للوثائق التاريخية الوطنية، إلى جانب لقاءات وندوات تناقش عناوينُها قضايا يغلب عليها التكرار والعمومية؛ مثل مواقع التواصل الاجتماعي، وأثر الألعاب الإلكترونية على نمط تفكير الطفل، ودور الثقافة والفنون في مواجهة السلوكيات السلبية، ومحو الأمية الثقافية...
نائب رئيس "رابطة الكتّاب الأردنيين"، القاصّ نبيل عبد الكريم، بيّن في حديثه إلى "العربي الجديد" بأن الثقافة التفاعلية تُعدّ فكرة في الاتجاه الصحيح، من حيث تنويع الأنشطة بين آداب وموسيقى وتراث، على قاعدة إشراك المجتمعات المحلّية، لكنّ مبدأ التفاعلية لا يتحقّق وفق ما قامت به الوزارة، إذ لا بدّ من إشراك المؤسّسات المعنية بالشأن الثقافي في التخطيط للمعارض وتنفيذها والمساهمة فيها، فالتفاعلية لا تكون مع الجمهور فقط، إنما مع المؤسّسات التي تمثّل هذا الجمهور ويمكنها أن تقدّم إضافة نوعية للمشروع، تضمن استدامته واستمرارية أنشطته على مدار العام.
ولفت عبد الكريم إلى أهمية توسيع قاعدة المشاركة؛ بحيث تتعاون كلُّ الأطراف المعنية في صناعة الكتاب وتأليفه ونشره وتوزيعه وقراءته في هيئة ناظمة، وتطوير هذه العملية لتستجيب لأشكال النشر المتعدّدة، وتساهم في تمويل هذه الصناعة واختيار عناوين بما يحول دون طغيان مجالات معرفية على غيرها، واستمزاج آراء الناس للوقوف على اهتماماتهم الفكرية والثقافية، والتوجه نحو الموضوعات والقضايا التي تهمّ الشباب أيضاً، لتصبح جزءاً من عملية نهضة شاملة، وليكون الكتاب في متناول القارئ. كما يُشير إلى ضرورة العمل على تطوير ثقافة القراءة من خلال وسائل الإعلام، والخروج من الحالة الموسمية والاحتفالية في عالم يروَّج فيه لثقافة هشّة المضمون والمحتوى، ويمثّل الكتاب جداراً صلباً لمقاومة التسطيح والهشاشة في هذا السياق.