مصطفى طوبي.. إعادة نظر في كيمياء التعريب

05 أكتوبر 2020
من رسومات الواسطي لـ "مقامات الحريري"
+ الخط -

إذا كان التراث العربي القديم - أدباً وعلماً - قد شغل جزءاً كبيراً من الباحثين منذ عصر النهضة إلى زمن قريب فإن أحد أدوات الوصول إليه، وهو علم المخطوطات، لم يتأصّل بالشكل المطلوب، وهي الإشكالية التي أثارها الباحث المغربي مصطفى طوبي ضمن محاضرة افتراضية ألقاها تحت عنوان "مستقبل الدراسات الكوديكولوجية في العالم العربي" مؤخراً ونظمها "معهد المخطوطات العربية" في القاهرة.

يرى طوبي أن معظم الدراسات التي تناولت علوم المخطوطات في العالم العربي "فردانية"، ويذكر أن أبرزها كتابات أستاذ علم المخطوطات المغربي أحمد شوقي بنبين (1946)، معتبراً إياه أوّل من أدخل إشكاليات علم المخطوطات الحديث إلى الثقافة العربية، حين قارن في كتبه بين النظرية الغربية والنظرية العربية في هذا المجال.

يوضّح طوبي أن "الفردانية في علم المخطوطات من الأمور التي لا يمكن غض الطرف عنها عربياً"، يقول: "حين أتحدّث عن الفردانية فإنني أتحدّث عن خصوصيات في العلم ترتبط بالفرد من حيث رؤيته وتصوّره للظاهرة واصطلاحاته أيضاً، هذه الفردانية وسَمت علم المخطوطات، فنحن نتحدّث عن العقد الأخير من القرن العشرين، والعشريتين الأخيرتين، فعمر علم المخطوطات ثلاثون سنة عربياً، انعكست خلالها الفردانية على الاصطلاح والعلم نفسه".

لا يمكن تعريب المصطلحات بشكل متسرّع دون العودة للتراث العربي

يعود الباحث إلى القلق الذي عبّر عنه ابن طفيل إزاء لغة أرسطو، قائلاً: "لا بد أن نتحدّث عن القلق الذي يتمظهر في الاصطلاح نفسه، عن كيمياء التعريب، خاصة غير المقنّن منه"، ويضيف: "لا يمكن للتعريب أن يحصل إلا على أنقاض النظر في أدبيّات التراث، ولا يمكن لمن يدخل في تثاقف مع ما يُكتب في البيبليوغرفيا الغربية أن يدخل في تعريب المصطلحات بطريقة فجة ومتسرّعة دون أن تكون له مساحة نظر في ما كُتب في التراث العربي، خاصة عند المفاهيم التي وقف عليها ولم يجد لها اصطلاحات عربية".

يضرب المحاضر مثالاً: "وقفنا أنا وأستاذي أحمد بنبين عند مصطلح ببلوطافيا، الذي كان متداولاً ويعني وضع الكتب في صناديق وإخفاءها لكي لا يتمكّن أحد من الاستفادة منها، ولم نجد اصطلاحاً عربياً لهذا المفهوم، فكنّا بين أمرّين إما التعريب بالاقتراض صوتياً أو استخدام جملة "حبس الكتب للاستئثار بها"، ولكننا وجدنا في كتب علم الحديث مصطلح "غلول الكتب"، وهو يدلّ على المفهوم المذكور". 

يذكر طوبي أن هذا المثال يعني أن مسألة التعريب ليست بالصورة التي تقدّمها مجموعة من "المبشّرين" القائلين بضرورة التعريب الصوتي مئة بالمئة، مُعرضين عن كل ما كُتب في التراث، وبالتالي داعين إلى حصول قطيعة إبستمولوجية اصطلاحية، تؤدي إلى حاضر مليء ومحشو بالمصطلحات المعرّبة صوتياً غير المفهومة. 

يدعو المحاضر إلى لملمة الجهود لبناء تصوّر حول "ماذا نريد أن نفعل في علم المخطوطات وماذا نريد أن ندرس؟". كما تطرّق طوبي إلى علاقة علم المخطوطات بالمجالات المعرفية الأخرى، ويوضّح أن "هناك الكثير من المشاريع العلمية الغربية التي وضعت علم المخطوطات ضمن علم التاريخ. لكن هناك لبس في علاقة علم المخطوطات بالمجالات المعرفية الأخرى ولا بدّ للباحث أن ينطلق من موقف دقيق لهذه العلاقة". 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون