بعد عقود طويلة من الإهمال، انهارَ أمس الثلاثاء الجزء العلوي من "مسرح الهلال" في منطقة الميدان البغدادية، حيث تداعى سقف المسرح الخشبيِّ المُتهالك ومن ثمَّ سقطت أجزاؤه الحديديِّة الباقية، ما تسبّب بخراب جزءٍ كبيرٍ منه.
صمتٌ رسمي يخيّم إزاء الحادثة التي تُعيد إلى الأذهان ما تعرّضت إليه معالم تاريخية عديدة بصورةٍ مُتعمّدةٍ في العراق، منذ الغزو الأميركي وإلى اليوم، رغم ما تحمله هذه الأبنيّة التُراثيّة من أهمّية بالنسبة للعراقيين، تاريخاً وهويَّةً وعِمارة.
صمت رسمي رغم دعوات العديد من المثقفين لتأهيل المسرح الذي شُيّد بداية القرن الماضي
"مسرح الهلال" الذي تتصدّر صوره وسائط التواصل الاجتماعي منذ البارحة، ترافقها استعادات للمكان الذي يعود بناؤه إلى العقد الثاني من القرن الماضي، قبل أن يتحوّل إلى مبنى مهجور عارٍ بلا أبواب ولا نوافذ، افتُتحت في جزئه الأرضي محلّات ومطاعم.
ورغم دعوات العديد من المثقفين قبلَ عدَّةِ أشهرٍ، إلى الجهات المعنيّة بالشأن الثقافي والعمراني في بغداد، بضرورةِ تأهيل المسرح بفعل قِدَمه وإهمالهِ وبتأثير العوامل الجويَّة على هيكليَّته الخشبيّة التي ظلَّت صامدة على مرَّ تلك السنين، إلّا إن هذه الجهات لم تقم بواجبها مثلما حدث مع العديد من البيوت والمسارح والمُنتديات القديمة.
ويحتضن شارع الرشيد الذي تقع منطقة الميدان في بدايته، عدداً من المسارح والملاهي والمقاهي، ومنها "الهلال" الذي استضاف حفلاً للمطربة المصرية منيرة المهديّة عام 1919، وكذلك غنّت فيه المطربة العراقية منيرة الهوزوز، والموسيقيان صالح وداود الكويتي اللذان قدما فيه بصحبة المطربة سليمة مراد العديد من الأغاني.
أمّا الحدث الأشهر للمسرح، الذي كان يُسمى "ماجيستك" قبل أن يحمل اسم "الهلال"، ولا تزال تستعيده الذاكرة، فيتمثّل في الحفلات الاثنتي عشرة التي قدَّمتها أم كلثوم خلال زيارتها للعراق عام 1932، إذ شكَّلت حدثاً فنياً كبيراً، ألقى خلالها الشاعر جميل صدقي الزهاوي قصيدةً خصَّ بها أم كلثوم، أعقبه بعد ذلك الشاعر معروف الرصافي بقصيدةٍ أخرى.
يُذكر أن الكثير من الأبنية التُراثيّة القائمة لغاية الآن، بعضها مهجور وبعضها الآخر تحوَّل إلى مخازن للبضائع، وفي ما سبق أن أُزيل الكثير منها وشُيِّدَت بدلاً عنها أبنية سكنيّة وتجاريّة، ويأتي ذلك مع استسهال قرارات إخلاء المباني الثقافية وتحويل وظيفتها، ناهيك عن غياب تدخّل سياسي لحماية هذه المنشآت.
وتتعدّد المطالبات خلال السنوات الأخيرة بضرورة إنقاذ المعالم التاريخية في بغداد، حيث أخفقت مشاريع ترميم سابقة لعدد منها، فضلاً عن عدم وجود خطّة متكاملة وتمويل كافٍ لتنفيذ مشاريع مستقبلية، ومنها دار الحكومة القديمة التي بُنيت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والمدرسة المستنصرية التي شُيّدت عام 1230، ودار الوالي التي تَعاقب على الإقامة فيها عدد من الولاة العثمانيين منذ عام 1803، والمعلم العثماني الشهير بـ"القشلة"، وخان مرجان الذي يعود بناؤه إلى القرن الرابع عشر.