مسجون داخل صندوق النقد الدولي

14 يناير 2023
فرانسيس نيوتن سوزا (الهند)، زيت على قماش، 1961
+ الخط -

أنا في الخمسين الآن، ما زلتُ أُواظب على الاستيقاظ صباحاً، ولطالما خسرت ترف شرب القهوة على مهل، أو انتظار البيض المقلي ليأخذ وقته الكامل في الطهي. وطالما نسيت، بسبب عجلتي، أن أُضيف الفلفل الأسود إليه.

وليس لي أيضاً ترَف أن أشكو أو أن أبكي لأحد، ليس لي حائط لأستند إليه، ظهري للهواء، وجسدي الطريّ مفتوح أمام كلّ النائبات والرزايا.

لقد غضبت علينا الدراهم فجأة، وارتفعت قنّينة زيت الزيتون لعشرة دولارات، وإنْ غامرت باستخدام زيت عبّاد الشمس، فسأنتهي عند الطبيب الذي لن يرضى بأقلّ من 200 دولار ليعالجني.

قنّينة الزيتون هذه، تأتي إلينا من إسبانيا، بينما رائحة زيتون فلسطين أقرب إلى أنفي من بلاد ثيربانتس، يمكنني أن أشمّ رائحة زيتوني هذا، بينما أنا محاصَر بالبضائع الأجنبية داخل السوبر ماركت.

أنا مسجون داخل صندوق النقد الدولي، منذ حصار عام 1991 وحتى حصار 2022، أعمل بخمس مناوبات... بعشرين مناوبة، لا أذكر، لكنّ ما أذكره، هو أنني لا أملك وقتاً لتداول النكات أو لشرب الشاي مع الأصدقاء.

مستقبلي مرتبط بخبراء الاقتصاد عندنا في البلد، وهُم عادةً ما يملكون معرفة غزيرة عن فوائد كَساد السوق على نمو الصناعات الذكية، ويعتبرون التضخّم الاقتصادي مثل نزلة برد لجسد الدولة. بينما يطمح جسدي لسرير طري، وخبز محمّص وأفوكادو.

فمي يطمح للحب، وعيني تطمح للورد، وأنفي لرائحة الليمون. لكنّ الدولة تعاني من نزلة برد، والبلد مريض، رغم أنني تركته مريضاً منذ أول صفحة في التاريخ حتى الآن، إنه مريض ويهذي.

جسمي مرهق، ليس لأنه يُقاسي برد الصباح، ولا لتضعضعه في الحافلة العمومية، ليس لرداءة الإفطار وسوء نوع القهوة.
هو مرهق من الأحلام، لقد ضخّت روحي بداخله أحلاماً عديدة، وجعلت الدم يتقلّب فيه، وهو يستشعر الأيام الجميلة التي ستأتي، لكن إلى ماذا انتهينا؟

لقد تحوّلت الأحلام إلى تراكمات سوداء في جسدي، ظهرت على شكل مربّعات متساوية على الجلد، ثم احمرّت وانتفخت حتى كبرت وتساوت، وأصبحت كأنها صندوق متكامل. في جسدي خمسون صندوقاً من صناديق النقد الدولي تلك.


* كاتب من العراق

نصوص
التحديثات الحية
دلالات
المساهمون