يتمتّع مخيم بروخم اليوم بمكانة شبه إجماعية تُخَصّص عادةً للروائع. عمره عشرون عاماً ونيف، فقط، لكنّه بالفعل كلاسيكي معاصر، أحد المباني الكئيبة "الأساسية" القليلة التي تمّ بناؤها كثكنة للجيش البريطاني، في القرن العشرين.
هذا هو الإعجاب الذي يُثيره المخيم، من قبل الفلمنكيين، لدرجة أنّه يكاد يكون من الصعب تذكُّر مدى الجدل الذي كان عليه لحظة إنشائه في الأصل. هذا المبنى الذي قد يبدو اليوم ديماغوجياً وقصير النظر، كان في ذلك الوقت حازماً جدّاً، وشكّل عقبة كبيرة في وجه الإنسانيين، من مختلف الأعراق والألوان.
بالنسبة إلى لاجئ متأمّل، كحالي، يُعَدّ المخيّم مثالاً دقيقاً على "تجربة العمارة"، لسحق كلّ ما هو كريم في النفس البشرية، وهو مبنى يتمّ الاستمتاع به "من العقل ومن الحدس ومن الشعور".
إنّه عمل عسكري رأسمالي، قادر على التقاط جوهر الثقافة الفلمنكية والمناظر الطبيعية المحيطة بها: إنّه يمين، إنّه خصب، إنّه حشويّ ومائيّ، إنّه عذراء في الغابة، إنّه مئوية الألم، إنّه ركام عذابات، إنّه تنّين جليد.
إنّه ملفوف في زفرة، إنّه روحُ ثاني أكسيد الكربون.
وكل ّهذا يُدرَك بطريقة طبيعية ومن دون صرامة، ويُفكَّك مرّة واحدة وإلى الأبد، ذلك التحيز بأنّ العمارة المعاصرة غير مفهومة لأنّها عقل بلا عاطفة، كيان بلا روح.
■ ■ ■
الفيداسيليون؟ هل هم قلقون بشأن المستوى الذي يصل إليه اللاجئون، عندما يُرفض ملفهم بشكل باتّ؟ ترى هل تُحرّك أعصابَهم محاولاتُ الانتحار المتكرّرة، وقد نجحت إحداها أخيراً، من قِبَل لاجئ سوري؟ متى يغيّر الله الفيداسيليين؟ متى يجعل العالم غير رأسمالي، بالمرّة؟
فعبارة أنّ الشباب يمرّون بكلّ شيء موحش وخانق للكرامة، كانت مكتوبة بالفعل في وعاء من بابل القديمة. ومع هذا لم يحرك الفيداسيليون البلجيكيون ملفّاً ساكناً.
قد يكون هناك المزيد من الدراسات الفنية التي تتطلب التعزيز (في المشمش)، إنّما ما شأن الطلاب من اللاجئين، يأتون بمهارات مختلفة عمّا كانت عليه قبل بضع سنوات (على سبيل المثال، حين يأخذون كورس الاندماج، وكورسَي اللغة النيدرلاندية، حتى أنّ بعضهم لديه هذه اللغة المحلية، بشكل جيد جداً، وقدرة جيدة جداً على العثور على المعلومات، وحساسية عالية جداً لقضايا مثل البيئة)، حين يُرفض ملفّهم، وينبغي عليهم البحث عن بلد آخر، بعد إقامة هنا تمتدّ سنتين وثلاثاً وأربعا؟
وبعد الرفض، تُرى كيف سيقودون المزيد من البحث؟ من أين سيأتي المزيد من التمويل كي يدبّروا ثمن العبور لبلد آخر؟
لقد كانت ركيزةً عظيمة لهذه البلد، أن يُزعم أنّه بلدٌ حقوق الإنسان الأول، على مستوى أوروبا. لكنّ ما رأيناه وخبرناه (هذا العمل الرديّ، الذي لا ينتهي عند نشر المقال، بل يتفاقم)، يدلّل على العكس تماماً.
وعليه، فما يفعل اللاجئون ببلاد استقبلتهم، مكرهةً، ولا تحبّ تيسير أيّ شيء عليهم؟
هل يجب البحث عن آليات لجعل شكوى الودعاء الطيّبين تصل؟ وهل ثمة حاجة أيضاً إلى مزيد من التعاون بين القطاعين العام والخاص، وقد يئسنا، بعد تجارب ومحاولات، من جميع ما نرى؟
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا