مجرّد كابوس؟

01 فبراير 2023
ميلود لبيض/ المغرب
+ الخط -

العالَم محاطةٌ جوانبُه بساحة بها شقق وملعب، مرحاض عام لم يُرمّم من أعلى إلى أسفل، وفي أحد أطراف الساحة صبايا يلعبن مع طفلات. العالَم جميل والله، لا يُمكن إنكاره، ويشبه المزحة الثقيلة.

لمَ هو غيرُ شكل مع أنه متكرّرٌ كلّ يوم، هل للفجر مهما تكرّر من نشوات عليا؟ تستيقظ وتَستلم هدايا الطبيعة من أولها، الغابة حول البيت من جهة الغرب، تستيقظ هي الأُخرى بعصافيرها وكائناتها التي تدبّ أو تزحف على أرضيتها المهوّشة الأعشاب. وفي ذلك اليوم، بينما كنت تتمشّى على طول الصالة والمطبخ، في الطابق الأرضي، كنت تحلم، وقد كان لهذا العام 2022، صيفٌ شبه حقيقي في فلاندرز، بأمسية صيفية عاصفة، حدثت لك ببرشلونة الزهراء، وكانت بمثابة وداع وترحيب في آن. 

البحر، والمضي قدماً، و"حانة جوزسيب"، وسِربٌ من وجوه الأصدقاء

هل توقّفتَ لتُلقي نظرةً أخيرة على خطّ البحر، وعلى ضفاف غابات كولسيرولا التي تحبّ؟ لقد بدا الأمر غريباً بالنسبة لكَ وأنت تمرّ بالقرب من "حانة جوزيب" لتشرب آخر الكؤوس، وهو لمّا عرف رفض أن تدفع. حضنكَ ورأيتَ في عينَي كليكما طيفَ دموع. العِشرة لا تهون إلا على أولاد الحرام، وأولاد كتالونيا وبناتها من الحلال الصافي.

لقد اعتقدت لثوانٍ، بعد الخروج من الحانة، أنّ لا شيء حقيقياً في هذا العالم، وأنّ مغادرتك لبروكسل كابوس وهمي وعابر، كيف يهون عليكَ أن تترك ألفة الأماكن هنا، وعِشرة أطيب الناس؟ يجبُ أن يكون المرء مثل الماكينة، بلا مشاعر، كي يمضي قدماً في حياة مجهولة، يعلم الله وحدَه إلى أين تؤول.

البحر، والمضي قدماً، و"حانة جوزسيب"، وسِربٌ من وجوه أصدقاء وصديقات عزيزين على القلب والله، هل نذهب حقّاً إلى بروكسل، ونبدأ هناك كلاجئين من دون نقطة الصفر، كعادة كلّ اللاجئين في كلّ زمان ومكان، وهل -ربما- يخبروننا هناك كثيراً، أنّنا أخطأنا؟ 

مَن يحصل على إقامة دائمة، ثم يتخلّى عنها ببساطة، بعد أن ذاق الأمرّين لينالها؟ 

هل المرء يتحرّك إلى الأمام، وما معنى الأمام وأمثالُنا عمرُهم خلفهم، هل الإقامة ببلجيكا ستكون بُشرى خير، أم ترانا سوف نتغيّر ونشيخ بدأْبٍ سريعاً؟ وقد يغيّرون لنا أحجامنا هنا ونفسياتنا، خاصة عندما نقع في قبضة "فيداسيل" الفيدرالية الفاسدة، والموكّلة بالإشراف وبإدارة حياة كلّ لاجئ يَقدِم إلى البلد. 

لكنْ، ربما تكون عيناي غير ما عهدتهما وعقلي خفّ، ربّما كلّ ما سبق مجرّد كابوس ويعبر، وماذا لو تجاوز الكابوس زمناً أكثر من ثلاثة أعوام ونصف حتى اللحظة. هل يبدأ الذبيح بالرقص في ليل تيسندرلو، في هذا المعزل عن كلّ ما هو بشري؟ ماذا نفعل وشهر مايو لا يمرّ؟ بلجيكا، من الوريد إلى الوريد، انتظاراتٌ وجفاف حَلْقٍ وتوتّر يومي، هل ينفع أن ننبَحَ: "اللهم يسِّر وأَعِنْ"، وبالعكس، بشرط أن يدوم التيسير والإعانات. 


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون