كان قصر الحمراء، خلال النصف الأول من القرن العشرين، في حالة سيئة للغاية. إذ كان عبارة عن مساحة مهجورة ومُهملة، يتردد إليها السكّان الذين يعيشون على أطرافها، إضافة إلى التجّار والبلطجية. وكان التراث المعماري والثقافي الموجود في تلك المساحة ممزوجاً مع المنشآت الخاصة، والمباني التاريخية مع المباني الحديثة، إضافة إلى المناطق والأبنية التي رُممت بطريقة يُرثى لها.
باختصار، وكما جاء في ديباجة الخطة العامة للحفاظ على قصر الحمراء الأندلسي، التي وقّعها المهندس المعماري ريكاردو فيلاسكيز بوسكو في عام 1917، كانت هناك حاجة ماسة إلى خطة عمل "لتجنّب الخراب الذي يهدّد المبنى".
في 17 نيسان/ أبريل من عام 1923، دخلَ مهندسٌ معماريٌّ مدريديّ يبلغ من العمر 34 عاماً إلى قصر الحمراء. كان هذا المهندس مجرّد منظّر في شؤون الترميم دون أية خبرة أو تدريب في الثقافة والفنون الإسلامية. كان اسمه ليوبولدو توريس بالباس، وقد وصلَ آنذاك إلى الصرح النصري في غرناطة، لأنّه عُيّن الأمين العام لمتحف الصرح.
هُمّش المعماري الإسباني رسمياً حتى انتهاء فترة الدكتاتورية
رأى بالباس آنذاك قصر الحمراء عبارة عن مزيج من الأنقاض والمساحات التي أُعيد بناؤها في أوقات سابقة بروح الأرابيسك الاصطناعي، الذي، تبعاً له، كان يتوافق مع نسخة مثالية لما هو عربي أكثر مما هو عليه واقع الفن الإسلامي الشرقي النموذجي الذي طوّره العرب في شبه الجزيرة العربية. هكذا قام بقلب المفاهيم، وبدأ بأعماله الترميمية التي ستغيّر قصر الحمراء وتجعل منه الصرح التاريخي المعروف حالياً.
ولد ليوبولدو توريس بالباس في مدريد عام 1888. درس الهندسة المعمارية في مدينته، وحصل على شهادة مهندس عام 1916. نال الدكتوراه في تاريخ الفنون التشكيلية وتاريخ العمارة، وفي عام 1931 عُيّن أستاذ كرسي في "مدرسة الهندسة المعمارية" بمدريد.
يُعَدُّ توريس بالباس اليوم واحداً من آباء الترميم في إسبانيا. تعود مساهمته الأساسية إلى كلٍّ من فكره النظري؛ الذي جُمع في كتابات متعدّدة، وإلى التطبيق والممارسة، هذه الممارسة التي تجسّدت، بشكل أساسي، في تدخلاته وترميماته في قصر الحمراء، وجنة العريف، وقصبة مالقة، لا سيّما بين عامي 1923 و1936، وهي المرحلة التي شغل فيها منصب المرمِّم المعماري للمنطقة السادسة، علاوة على كونه أستاذاً للفنون في "مدرسة الهندسة المعمارية"، ومدير أعمال ترميم قصر الحمراء.
ويعود الفضل الكبير لهذا المعماري الإسباني في ترميم قصر الحمراء بالشكل الذي نعرفه اليوم. فقد وضعَ عملُه الدقيق حدّاً لتقاليد الترميم الخيالية والمدمّرة التي شهدتها العقود السابقة على تلك الفترة. قام توريس بالباس بترميم "قصر المشور"، الذي شيّده محمد الخامس لدى استعادته للعرش عام 1362. كذلك كان له الفضل الأكبر في ترميم "باحة الأسود"، قلب "قصر الرياض السعيد"، الذي وضع فيه بانيه محمد الخامس مسكن عائلته وفضاءً للمراسم التمثيلية السياسية أو الاحتفالات الرسمية. كذلك تصدّى لمهمة ترميم "قصر البرطل"، حيث رمم المدخل الجديد للبيت الملكي وأعاد هيكلته بحدائق في أجزاء متساوية، نقلاً عن التقاليد الأندلسية والكلاسيكية.
اكتسب الحمراء مع مرمّمه شهرة عالمية، وصار مقصدَ الزائرين في مختلف بقاع العالم. مع ذلك، عُزل توريس بالباس من منصبه في قصر الحمراء، وتمّت محاربته بشكل منهجي من قِبَل نظام فرانكو بتهمة "مساعدة التمرّد". هكذا نُفي مرمِّم الحمراء داخل بلده، وعاد إلى النظرية وعالَم التعليم حتى وفاته عام 1960.
ظلَّ بالباس مهمَّشاً رسمياً من قِبَل النظام حتى فترة انتهاء الدكتاتورية. بعدها، تم الاحتفاء به كواحد من أهم مرمّمي الفن الإسلامي في الأندلس، واعتُرف بفضله في ترميم قصر الحمراء النصري والحفاظ عليه بعد أن كان ركاماً على ركام.