يقيم المتحف الفلسطيني في رام الله، بثاً لمقابلة مسجّلة تحت عنوان "ليس كتاباً فقط"، مع الأسيريْن المحرريْن عبد الله أبو غضيب وخليل عاشور، عند السادسة والنصف من مساء الأحد 27 ديسمبر/ كانون الأوّل، تبث عبر منصّات التّواصل الاجتماعي للمتحف.
في المقابلة، يتحاور الأسيران حول تجربتهما وعلاقتهما مع الكتاب في السجن، وتعد هذه المقابلة واحدة من المُقابلات التي أنتجتها الفنّانة الإيطاليّة السّويديّة بياتريس كاتانزارو.
عبد الله أبو غضيب (نابلس 1949) حصل على الثانوية العامة وهو في سجون الاحتلال عام 1972، حيث أمضى 11 عاماً ما بين 1970 و1981، أما خليل عاشور (نابلس 1946)، فقد اعتقل 12 عاماً ما بين 1970 و1982، وهو الآخر حصل على الثانوية العامة في المعتقل عام 1979.
وبحسب أبو غضيب فقد كانت هناك سجون تخلو من أي كتاب مثل سجون طولكرم، بيت ليد، وعسقلان، والأخير تحديداً منعت منه حتى الأقلام أو الأوراق، فلجأ السجناء إلى تداول الروايات من خلال السرد الشفوي لما يتذكرونه من الكتب.
بكى السجناء حين انتهى ربحي حداد من سرد قصة البؤساء لفكتور هوغو
يذكر أبو غضيب كيف كان يتحلق 16 معتقلاً في الغرفة حول ربحي حداد، أحد قياديي الجبهة الشعبية الذي استشهد في اجتياح بيروت، والذي كان يحفظ قصة رواية "البؤساء" لفيكتور هوغو، وكان يرويها شفوياً كالحكواتي على شكل حلقات لمدة أسبوعين، ويقول "بعضنا بكى حين انتهت القصة لأن جان فالجان غادرنا".
كانت هذه الحكايات بحسب أبو غضيب بمثابة "انتقال من وضع مادي داخل المعتقل إلى وضع معنوي خارج المعتقل، وهذا ما وفره سماع القصص: إنها تجعل السجين يشعر أنه خارج السجن".
مصادر الكتب في السجون مختلفة بحسب أبو غضيب، أولها الكتب التي تركها الأمن الأردني الذي كان مسؤولاً عن السجون في الضفة الغربية قبل أن تسقط تحت الاحتلال، وكانت هذه كتب من كل نوع ولكن ليس فيها كتب سياسية.
المصدر الثاني للكتب ما بعد السبعينيات، كان رؤساء البلديات الذين يسمح لهم في الأعياد الدينية بزيارة السجناء، فكانوا يحضرون الكتب للسجناء كهدايا. أما المصدر الثالث فهو مؤسسة الصليب الأحمر، التي كانت تزور المعتقلين مرة كل شهر وتقدم لهم الكتب التي يوافق عليها السجّان.
هناك مكتبات من أموال عائلات المعتقلين داخل السجون الإسرائيلية
أما المصدر الرابع فحدث بعد أن صدر تعميم يتيح لكل معتقل أن يحصل على كتابين من عائلته مع كل زيارة شرط أن يترك السجين الكتب في السجن حين يخرج، وهكذا أصبح هناك مكتبات من أموال عائلات المعتقلين داخل السجون الإسرائيلية وهي مكتبات موجودة إلى اليوم. أما المصدر الخامس وهو الأقل، وهو الكتب التي كانت تدخل إلى السجن من مؤلفين إسرائيليين وصهاينة منها كتاب لهيرتزل وسياسيين وجنرالات في جيش الاحتلال.
بدوره يتناول خليل عاشور مكتبة الأسير في سجن نابلس بالتحديد، فقد كانت عبارة عن واجهة جدار يقابلها واجهة شبك وباب وقفل، ومساحتها بعرض مترين وطول سبعة أمتار، وفيها رفوف حديد، وقد استلمها عاشور عام 1972، وكان فيها ثمانون كتابا في حالة يرثى لها، ممزقة أو بلا أغلفة، ومضامينها وأنواعها بسيطة.
يقول: "لحسن الحظ في ذلك العام افتتح السجن قاعة لامتحانات الثانوية العامة، وحضر مدير القاعة مع أربعة أساتذة، وطلبوا منه إدخال أطباق الكرتون بالتهريب دون علم إدارة السجن"، وبدأ عاشور العمل على تغليف الكتب بإمكانيات متقشفة.
الكتب الممنوعة كانت أي كتاب يحتوي على كلمات مثل ثورة أو مقاومة أو فلسطين، ويروي كيف جرى تهريب كتاب "فلسطيني بلا هوية" لصلاح خلف، داخل السجن بأن جرى تبديل الغلاف والصفحة الداخلية بغلاف مصور عليه فتاة بملابس السباحة.
في المقابلة المسجلة التي تبث الأحد المقبل، تفاصيل وشهادات تروي علاقة المعتقل بالكتب، والثقافة، وكيفية التحايل من أجل تكوين مكتبات داخل السجون وما كان يعنيه ذلك للمعتقلين.