"لن تكون وحيداً": قصص خمس نساء في لاهاي

11 نوفمبر 2022
(من العرض)
+ الخط -

يُعرَف "حيُّ سخلدرسفايك" في مدينة لاهاي، غربَي هولندا، بتنوُّعه الإثني والقومي، كما يُصنَّف بأنّه أحد أفقر الأحياء في البلاد، وأكثرها انتشاراً لمظاهر الإجرام والتطرُّف وأعمال الشغب.

في هذا المكان، الذي يَعني اسمُه بالعربية "حيَّ الرسّامين"، تدور أحداث مسرحية "لن تكون وحيداً" لكاتبها ومُخرجها العراقي محمد الأمين الكرخي، والتي أُنتجت بالتعاوُن مع "فرقة أفراسيا للمسرح النسوي"، ويُنتظَر تقديم عرضها الأوّل عند العاشرة والنصف مِن صباح غدٍ السبت في "مؤسَّسة إم أو سي" بلاهاي.

التقى الكرخي بعددٍ من سكّان الحيّ الذي يمثّل المهاجرون وأبناءُ الجاليات أغلبيةً ساحقةً فيه، واستمع إليهم، في مُحاوَلةٍ منه للاقتراب مِن قصصهم الشخصية والقضايا الاجتماعية الراهنة التي تشغلهم؛ مثل الهوية والتعايُش بين القوميات؛ وهي بعضُ الثيمات التي يشتغل عليها في العرض.

خمس نساء مِن ثقافات مختلفة ومِن مستويات اجتماعية متفاوتة

في خمسة مشاهد، يُضيء العملُ على حياة موظَّفي الرعاية الاجتماعية الطوعية، مِن خلال قصص خمس نساءٍ ينحدرن مِن ثقافات مختلفة ومِن مستويات اجتماعية متفاوتة، يُقدّمن منظورهنّ الشخصي حول مواضيع مثل: الواجب الأخلاقي، والمسؤولية، والحُبّ، والحياة الموت، ويتحدّثن عن تجاربهنّ ونضالاتهنّ واهتماماتهنّ والصعوبات التي يواجهنها.

إحدى شخصيات المسرحية هي غولومسر كالندر؛ الشاعرةُ الهولندية من أصل تركي، والتي يَعتبر النقّاد قصيدتَها "صباح الخير يا هولندا" مِن بين أبرز ما كُتب في الشعر الهولندي. ويقول محمّد الأمين الكرخي، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إنّ كالندر ناضلَت من أجل نساء الحيّ اللواتي يُواجهن مشاكل متعدّدة؛ مثل الثقافة المتزمّتة من جهة، وتهميش الجاليات مِن قبل المجتمع الهولندي.

تبلغ كالندر، اليوم، تسعين عاماً، وقد فقدَت القدرة على الكلام والمشي. لكنّ مسرحيةَ "لن تكون وحيداً" تُعيد إليها صوتَها بطريقة فنّية، مِن خلال مشهَدٍ تَظهر فيه على الخشبة وهي تقوم بنزهةٍ على كرسّيها المتحرّك الذي تدفعُه فاطمة؛ مُرافقتها القائمة على رعايتها؛ بينما تَظهر على الشاشة لوحاتٌ تشكيلية مِن شوارع الحيّ التي يحمل كلٌّ منها اسمَ رسّامٍ هولندي بارز، مع قراءات صوتية لقصائدها.

لن تكون وحيداً - القسم الثقافي
(ملصق العرض)

أمّا نسرين؛ فهي مُهاجرةٌ فقدَت زوجَها الذي كانت ترعاه على مدى سنوات، وفقدَت بذلك إحساسها بقيمة الحياة التي استحالَت عندها ضرباً من العدمية والعبثية. يقترح العرض هنا، بحسب المُخرج، طريقةً للخروج من هذا الوضع النفسي، من خلال المزج بين التفكيرَين الشرقي والغربي؛ الجانب الدينيّ مِن جهة، والتداوي بالفنّ والمسرح مِن جهة ثانية.

ومن خلال شخصية أُخرى تعيش علاقة حُبّ مع رجُل في التسعين من عمره، يُضيء العرض على مفهوم الحب من منظور مختلف عن ذلك السائد في الثقافة الهولندية. يوضّح الكرخي: "الحبُّ مسألةٌ مركزية في موضوع الرعاية الاجتماعية الطوعية التي تكتسب مصداقيةً أكثر عند أبناء الجاليات، الذين يرون فيه، بحكم الثقافة والعادات، واجباً أخلاقياً"، مُضيفاً: "قد يستغرب البعض كيف أنّ المُهاجر أو المولود في عائلة مُهاجرة يظلّ منغمساً في الثقافة الشرقية ومنظوره الشرقي بعد أربعين عاماً. لكنّ الحقيقة أنّ تمسُّك أبناء الجاليات بثقافتهم قد يفوق تمسُّك الأشخاص الذين يعيشون في بلدانهم".

يشير الكرخي إلى أنّ العرض يعتمد على شخصيات حقيقية من الحيّ، جرى الاشتغال معها ضمن ورشات في مجال كتابة وإعداد القصص لتقديمها بطريقة فنية: "هُنّ لسنَ ممثّلات مسرحيّات، باستثناء ممثّلة واحدة لديها تجربة في التمثيل والرقص الرياضي"، كما يعتمد على "تقنية الرياضة المسرحية لإشراك الجمهور وخلق حوار متعمّق يتجاوز الكليشيهات والخطّ الواحد".

تغيب قضايا الجاليات والشرائح المهمَّشة عن المسرح الهولندي

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول الكرخي: "لاحظتُ، مِن خلال عضويتي في لجنة تحكيم المسرح الهولندي لثلاثة مواسم متتالية (2018، 2019، 2021)، أنَّ قضايا الجاليات والشرائح المهمَّشة في المجتمع الهولندي هي الغائبُ الأكبر في الأعمال المسرحية، بما فيها تلك التي تهتمّ بالقضايا الاجتماعية. كما أنَّ تلك الأعمال تُكرّس صورةً نمطية عن النساء المُهاجرات واللواتي ينتمين إلى الجاليات؛ حيث تُقدّمهن كربّات بيوت أُمّيات، وتتجاهل وجود مثقّفات وشاعرات ورسّامات".

يضيف: "هذه الصورة النمطية، للأسف، يُكرّسها مخرجون من بلدان شرقية أيضاً. قبل فترة، شاهدتُ عرضاً مسرحياً لمُخرجٍ عربيّ شخصيّاتُه مهاجرون عربٌ، اختار أن يجعلهم أمّيّين جميعاً ويُظهر أنّهم مصدومون من عظمة الحضارة الغربية. وفي نهاية العرض يتوزّعون بين الجمهور وهُم يبكون، بطريقة مُسيئة، في مُحاوَلة لاستدرار تعاطُف المُشاهد الغربي".

يُذكَر أنّ محمّد الأمين الكرخي شاعرٌ ومترجم مِن مواليد بغداد عام 1971. عمل في الصحافة الأدبية منذ مطلع التسعينيات؛ حيث أسهم في إصدار عدد من المجلات الثقافية مثل: "الهامشيّون" و"شيراز"، وأشرَف على القسم العربي في "قناة زوم إن تيفي" الهولندية.

من إصداراته الشعرية: "منفى فولتير" (2019)، ومن ترجماته إلى العربية: "سهراب سبهري: الأبدية في الأغصان - مختارات شعرية"، و"فروغ فرخزاد: مختارات شعرية"، و"مختارات من الشعر الفارسي المعاصر بشقّيه الإيراني والأفغاني" (2005)، و"ريح وأوراق" لعبّاس كيارستمي (2017). كما ترجم لعدد من الشعراء الهولنديين البارزين؛ مثل يان آرندس الذي نقل أحد دواوينه الشعرية إلى العربية.

المساهمون