"وَهَبْ أنّ أخي جادلَ في السياسة وناظَر وقال إنّكم في ضلالٍ، فليس لكم أن تُميتوه بسبب ذلك". ترد هذه العبارة، المقتبَسة من رسالةٍ لأحمد فارس الشدياق، في نهاية كرّاسٍ أصدرته "دار الجديد" و"مؤسّسة لقمان سليم" منذ أيام، قُبيل الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأديب والناشر والناشط اللبناني، لقمان سليم، في بلدة العدّوسية، جنوب بلده، في الثالث من شباط/ فبراير 2021. مرورُ عامٍ على اغتيال سليم (1962 ـــ 2021) ليس مناسبةً للانكفاء، بل لتذكُّر منجَزه، لإحياء ذكراه وتحيّة مسيرته، وللمطالبة بالعدْل قبل كلّ شيء. "آنَ أوانُ العدْل" هو العنوان الذي تقدّم من خلاله المؤسّستان سلسلة الفعاليات التي تنظّمانها، اليوم الخميس، في هذه الذكرى الأولى؛ وهو عدلٌ تطالبان بأن يكون "على رؤوس الأشهاد"، أي جليّاً، مُعلَناً أمام أنظار ومسامع الجميع.
وتزامناً مع هذه الذكرى الأولى، أطلقت "مؤسّسة لقمان سليم" حملة لبنانية وعربية بهدف كسر الصمت المحيط بموضوع الاغتيال السياسي في العالم العربي، خصوصاً أن "وقْع ذلك الصمت سلبيّ بقدْرالكواتم التي تُستخدم لإخفاء صوت الجريمة"، بحسب بيانها. ودعت المؤسّسة وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية وكلّ مَن هو معنيٌ بالقضيّة التي تطرحها الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركتها "هذه الوقفة الجامعة المناهضة لثقافة القتل والإفلات من العقاب، وللعمل التدريجي على إعادة توجيه البوصلة نحو مجتمعٍ يرفض هذه الممارسات وقضاءٍ يدينها".
كما ينطلق اليوم الموقع الإلكتروني للمؤسّسة التي "من إحدى مهامها الأساسية توثيق الاغتيالات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كذلك دراستها والإحاطة بها من عدة جوانب، سواء القانونية أو المجتمعية أو السياسيّة، وفتح باب الحوار حول خطورة ما نواجهه، إذ إن هذه الممارسات متجذّرة في سياسات الأنظمة الحاليّة، ونتائجها فادحة على مستقبل المجتمعات".
وتنظّم المؤسّسة في الخامس من شباط/ فبراير الجاري وبالتعاون مع "الجامعة اليسوعية" في لبنان ندوة افتراضية على منصّة "زوم" تحت عنوان "العنف السياسي واغتيال المثقفين في العالم العربي"، يشارك فيها كلّ من: مروان أبي سمرا، وحميد بوزارسلان ومونيكا بورغمان وكريم بيطار وجان بيار فيليو وهنري لورانس وهناء جابر.
يشمل البرنامج عرض كتابات سليم وتوزيع جوائز تحمل اسمه
من جهتها، تُصدر وتوزّع "دار الجديد"، اليوم، نصّاً كتبه لقمان سليم لتوطئة كتاب "نسوان من لبنان" للصحافي اللبناني إسكندر رياشي؛ نصٌّ (عنوانُه "إسكندر رياشي: الباطِلُ يُحَرِّركُم") يأتي في ذكرى رحيله الأولى، إلى جانب كتاب رياشي الذي تُصدره الدار أيضاً في هذه المناسبة، والذي كان من آخر ما اشتغل عليها سليم قبل اغتياله. "نجزِمُ أنّ قتَلةَ لقمان سليم لا يقرؤون. وأنّهم، لُحسن الطالع، سيُحرَمون من اكتشاف وجوهٍ له لا ولَمْ تخطُر لهم ببال"، تكتب "الدار" في تقديمها لنصّ سليم.
البرنامج الاحتفائي الذي تنظّمه المؤسّستان يسعى لإطلاع مَن لا يعرفون لقمان سليم على وجوهه هذه؛ ومِن ذلك معرضٌ بعنوان "عن #صديقتي_الشريرة"، تنظّمه "أُمم للتوثيق والأبحاث" في فضاء "هنغار" بالضاحية الجنوبية لبيروت، ويضمّ، إلى جانب مقتطفات من كتابات سليم، صوراً لبيروت وأهلها من توقيع المصوّر اللبناني مروان طحطح. عنوان المعرض، الذي تأتي تحته أغلب الكتابات، يُحيل إلى شخصيةٍ ابتكرها سليم في تدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي منذ عام 2014، وكان من خلالها، ومن خلال الأخبار التي تنقلها إليه هذه الصديقة الشرّيرة، يحلّل المجريات التي تدور حوله في لبنان، بلغةٍ ساخرة ورافضة للتسلُّط والإسكات.
ويشهد برنامج اليوم كلماتٍ يلقيها في منزل الراحل، بدءاً من الثالثة عصراً بتوقيت بيروت، عددٌ من رفقائه، من بينهم شريكته مونيكا بورغمان، مديرة "مؤسسة لقمان سليم"، ووالدته، الأديبة سلمى مرشاق. تأتي هذه الكلمات بعد برهة صمت في ذكرى اغتياله، يليها ارتجالٌ موسيقيّ لكلّ من فادي طبّال وجورج نصّار وميساء جلّاد.
كما يشهد برنامج اليوم تقديم جوائز "غار لُقمان سليم"، التي يقدّمها أصدقاء الراحل ضمن فروع أربعة: "جائزة ذاكرة الدم" التي تذهب إلى الكاتب فادي طفيلي عن تأليفه سيرةً للسياسي اللبناني وحيد الصلح (اغتيل في بيروت عام 1958) ستصدر عن "الجديد" خلال العام المقبل؛ و"جائزة بالبرهان" التي تُمنَح إلى الأكاديمي نصري مسرّة الذي وقّع دراسةً لشبكات الكراهية على وسائل التواصل التي حاصرت لقمان سليم قبل وبعد اغتياله؛ فيما تذهب "جائزة أصوات المدينة" إلى المغنّية ميساء جلّاد، و"جائزة الحدائق" إلى ليلى حنّا، التي تحيي ذكرى سليم بالزهور على ضريحه.
وتُختَتم فعاليات اليوم بمحاضرة يقدّمها لأكاديمي الفرنسي المختصّ بسياسات وتاريخ بلاد الشام، جان بيار فيليو، بعنوان "تاريخ الشرق الأوسط العلماني"، وذلك في قاعة "مونتاني" بـ"المعهد الفرنسي"، عند السادسة مساءً بتوقيت العاصمة اللبنانية. وكان فيليو من أوائل الذين أدانوا اغتيال لقمان سليم في الصحافة العالمية، عبر مقال نشره في مدوّنته التي تحتضنها جريدة "لوموند" الفرنسية، في السابع من شباط/ فبراير 2021.