منذ السنوات الأولى التي تلتْ تأسيسه عام 1970، تحوّل مهرجان "لقاءات آرل للتصوير الفوتوغرافي" إلى الموعد السنوي الأضخم والأكثر أهمّية في المشهد الدولي للتصوير، وهي مكانة ظلّ محافظاً عليها حتى اليوم، حيث يشارك فيه كلّ عام أكثر من 150 فنّاناً (بلغ العدد 165 في نسخة العام الماضي)، ويزوره جمهورٌ يفوق عدده أكثر من مرّة عدد سكّان مدينة آرل الفرنسية (50 ألف نسمة) الواقعة في جنوب البلاد.
بل يبدو أن نسخة هذا العام ذاهبةٌ لتكون الأكثر استضافةً للزوّار، حيث سجّل الأسبوع الأوّل من المهرجان، الذي افتُتح في الثالث من تمّوز/ يوليو الجاري، نحو 20 ألف زيارة، مع العلم أن المَعارض والصالات ستبقى فاتحةً أبوابها حتى الرابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل.
وتنضوي الدورة الحالية تحت عنوانٍ جامع هو "حالةُ ضمير"، في رغبة بأن تكون الأعمال المشاركة "صدىً لحالة الضمير التي يعيشها عالمنا اليوم"، بما فيه من تحوّلات، وخصوصاً "الاحتباس الحراري الذي فرض نفسه علينا وغيّر عاداتنا بشكلٍ مباشر"، بحسب الكلمة التقديمية التي وقّعها مدير المهرجان، كريستوف فيسنر.
ويشمل البرنامج عدداً واسعاً من العروض البارزة، من بينها المعرض الاستعادي (في "قصر الأسقفية" بالمدينة) للأميركي سول لايتر (1923 ــ 2013)، أحد أوائل مَن أخرجوا صوراً ملوّنة، إضافة إلى كونه عرّاب ما سيُعرَف لاحقاً بـ"فوتوغرافيا الشارع". معرضه، الذي يحمل عنوان "تركيبات"، يضمّ مجموعة من اللقطات التي سجّلها في شوارع نيويورك، كاشفاً بعدسته عن "أعماق الواقع" التي قد لا تلتقطها عينٌ غير مدرّبة.
وعبر برمجةٍ خصّيصة بعنوان "أفلام في صوَر"، يوجّه المنظّمون تحيّة إلى عدد من المخرجين، مثل الألماني فيم فيندرس (1945)، الذي تُعرَض مجموعةٌ من الصور التي التقطها في باريس وهامبورغ خلال تحضيره لفيلمه "الصديق الأميركي" (1977)، أو المخرجة الفرنسية أنييس فيردا (1928 ــ 2019)، التي تُعرَض لها صورٌ التقطتها بين أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي لمدينة سيت الفرنسية (جنوب)، بمينائها وبحّارتها وعمّالها على وجه الخصوص.
ومن المعارض اللافتة أيضاً، "بلد الدماء"؛ وهو عملٌ مشترك بين الفوتوغرافي سبنسر أوستراندر والكاتب بول أوستر، حيث يلتقط الأوّل صوراً بالأسود والأبيض لأماكن شهدت مجازر وعنفاً ــ خصوصاً بحقّ الأقلّيات العرقية والإثنية ــ في الولايات المتّحدة، في حين يكتب أوستر سيرة هؤلاء الأشخاص الذين كانوا ضحيّة عنصرية اجتماعية وحتى رسمية، منذ "تأسيس" أميركا وحتى يومنا هذا.
وغير بعيدٍ عن هذا العنف المنظّم، لكن في سياق شخصيّ، يقدّم المصوّر الهندي سُميا سنكر بوز أعمالاً شديدة الحساسية يستعيد فيها حادثة اختفاء والدته لثلاث سنوات، في نهاية الستّينيات، قبل أن يُعثَر عليها في حالة بائسة ومصابةً بمرض نادر هو عمى التعرُّف على الوجوه، الذي حال دون قدرتها على تذكُّر ما جرى لها. عالمٌ معتم قاد ابنها إلى تصوير مشاهد يغمرها الليل بظلمته ولا نرى فيها إلّا بعضاً من النقاط المضيئة، التي تذكّرنا بالحياة والأمل.
بدورها، تصوّر الفوتوغرافية الإيرانية حنّا درابي، في معرضها "شمسُ الساحة الفارسية"، مَشاهد شِعرية من الحياة اليومية للجالية الإيرانية في لوس أنجيليس بالولايات المتّحدة، هذه المدينة التي تقول إنها أشبه بـ"طهران أنجيليس"، والتي تتواشج فيها عناصر الثقافة الإيرانية مع المكان الأميركي، مثل كلمة "آزاد"، التي تعني "حرّ"، وأرائك فارسية موضوعة بدل الكراسي العمومية البلاستيكية في أحد مواقف الحافلات الحكومية.