مسرحٌ عن الذاكرة يقف فيه الممثّلون لا ليستحضروا مشهداً عمومياً من زمنٍ ماضٍ، بل ليمثّلوا تجربتهم الشخصية؛ تجربتهم التي هي جزء من راهنهم أيضاً، وكأنّ الحدود قد ضاعت بين الممثّل/ اللاعب وبين ذاته الحقيقية التي عاشت الحدث وتأثّرت به، وكلّ ما عليها الآن أن تؤدّيه أمام الجمهور.
"لعلّ وعسى"، عنوان العرض المسرحي الذي وقّعته المخرجة اللبنانية كريستيل خضر على خشبة "مسرح مونو" في بيروت، وتتواصل عروضُه حتى الـ18 من الشهر الجاري، عند الثامنة والنصف مساءً، وتؤدّيه الفنانتان رندا الأسمر وحنان الحاج علي.
لا يستلهم النصّ حدثاً خارجاً عن ذات الممثّلتين، فهما تُعيدان صياغة ماضيهما، في عملية إفصاح مباشرة عن تجربة التمثيل خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، وبهذا يمكنُ أن نتساءلَ إنْ كان التاريخ قد مضى حقاً، أم ما زال قائماً حتى اللحظة؟
ولمّا كانت الذاكرة الشخصية للممثّلتين موصولة بذاكرة المدينة ككلّ، فإنّ بيروت بشوراعها ومسارحها وفِرَقِها التمثيلية تحضرُ إلى الخشبة من جديد، ويستحيل التأثيث المُتقشّف للمسرح بكرسيّين فقط لا غير، إلى عالمٍ رَحْبٍ عمارتُه أبعد بكثير ممّا هو قائم، ليس خيالاً ولا غرائبياً بطبيعة الحال، بل هو الواقع الذي يكون في مرّات كثيرة أقوى من الخيال.
لكن ما يتردّد في فراغ المسرح من حوار بينهما يُفصح أيضاً عن حالة الفن الرابع وكيف تراجعَ مع صعود زمن جديد، الأفضلية فيه للصورة السريعة، لنجمات التلفزيون والسينما، أمّا الفِرق والمخرجين، وحتى المسارح ودُور العرض، فتفكّكت، وخلاصة ما سبق ما تقوله الأسمر: "كان عليّ أن أعرف أنّ المسرح لا يغيّر العالم".
هل المسرحية إذاً جلسة اعتراف وفضفضة عن أعباء زمنٍ يخال الجميع أنّه مضى، لكنّه في حقيقة الأمر قد خلّف في الذاكرة أثراً عميقاً. فعملية التبادل ما بين الاعتراف والإصغاء بين الحاج علي والأسمر هي شكلٌ من الاستراحة إلى الآخر، بغض النظر من أين أتى، طالما يصلح أن يكون جمهوراً يستمع لما تقول الذات، بل ويكشف أنّه يقاسمها الكثير من أوجاعها، ألم يقل المسرحي اللبناني ريمون جبارة: "إن المسرح يُخلَق من وجع".