أحجار البحر
لماذا نقتفي آثارَ قدمٍ
في النسيم بهذه الطريقة،
صدى صوتٍ مُلْتفٍّ بالغبار والهواء؟
الشاطئُ المكسورُ كان لنا وحدنا،
نحنُ الذين اتّكأنا على بعضنا
بينما هَمَسَ الماءُ
وسَقَطَتْ أضواءُ النجوم.
بَصَري المربوطُ بالطائرة الورقية على ظهْرِكِ،
الطويلِ الجميلِ والممتلئِ برذاذ الثلج،
بينما البحارُ تنكسرُ عند قدميَّ،
وأنتِ باستدارتِكِ تَشُدِّينني قُربكِ
عبر الرياح الملتهبة.
بعد أيّامٍ من ذهابِكِ،
تغزو عاصفةٌ هواءَ منتصفِ الليل:
هزّةُ كتفِ الرعدِ على شاطئ البحر،
أحجارُ بَرَدٍ بحْريّةٍ تهزُّ زجاجَ النافذة.
أتوقَّفُ لأكتبَ لكِ ملاحظةً عن ذلك،
فأجدُ طائراً لا يزال يندفعُ داخل قفصه
يرفرفُ بجناحيه إزاءَ قلبي.
ستكون إمبراطوريةُ الشمسِ
في أمانٍ إلى الأبد
عند هذه الحدود المبنيَّة
من سقفٍ من بلاطٍ أحمرٍ،
وجدرانٍ من زيتون،
هذه الغرفُ التي ربما سنعود إليها أحياناً
لنكبر أخيراً
في الليالي الطِّوال.
■ ■ ■
الصعود
من الناصرة: هذا النورُ في عينيَّ،
هذا اللهبُ في دمي،
وكلُّ ألم فلسطين.
أتكلّم وبكلّ ودٍّ أُعطي،
أنا اليتيم المتضوِّر جوعاً،
الذي سمع البنادقَ المقتحمة،
والأحذيةَ المدوّية،
وجدرانَ السجن الصادحة.
من خلفي، يغنّي الناس،
كحمامة تعتلي القمّة على
رياحٍ مستيقظة.
أو كرايةِ حبٍّ وتاريخٍ
تحملها أصواتنا؛
راية سترتجف لها قريباً
الجبال،
كشجرة زيتون
أورقت للتوّ.
■ ■ ■
موتُ لاجئ
ضَعني في قائمةٍ عندما أموت،
ولْيكُن ضمن القائمةِ
ذلك الطائرُ الذي فَرّ،
والقنبلةُ التي طارت،
والطرقُ المُشجَّرةُ التي تشابكت
مع الغبار.
إذا كان لا بدَّ، فَنُحْ،
ولكن لا تَدعْ كاتبَ رثاءٍ يتطفّل،
يدفنُ الكلماتِ التي عَرفتَها
عن القتل، القوانينَ التي كتبتَها
لتَقتل، السنينَ التي شاهدتَني فيها مكبلاً،
والكتابَ المهشّمَ الذي ملأه جسدي.
فلْتجعلِ التاريخَ مُلازماً لغناءِ الحدودِ
في رأسي،
في الدمِّ الذي نزفَ بنقرةٍ من قلمِكَ،
في الرصاصةِ، في حَجَر البناءِ، في الهواءِ المحترقِ،
في الفحمِ الذي صَنعْتَه من الأطفال،
في رسّامِ الخرائطِ الذي درَّبتَه
على رسمِ خريطةِ عينيّ بالشظايا،
على تغليفِ قدميّ باللهيب.
الشِّعرُ مصابٌ بالحُمَّى،
الذاكرة فنٌ،
أن أقولَ بأني استمررتُ بالعيش،
رغمَ أنّك مزّقت عالمي أشلاءً،
فتذكّرني كإنسانٍ
في قلبكَ البعيد عن أن يكون إنساناً.
■ ■ ■
غواتيمالا 1967
(في ذكرى أوتو رينيه كاستيلو، 1936 ــ 1967)
قلْ "وطن"
وسوف تُطلق الغزلان والقمر عناناً للظلِّ
وستتسارع العتمة،
وتنطفئ شمعة.
قل "ماء"
وسيتّخذ العطش شكلَ إنسان،
الإنسان الذي تحدى بفمه الصحراءَ،
الذي يتحكّم بشفاهه مالِكُو الأمطار،
الذي سيحطّم حنجرتَه حرّاسُ السجن
المتجوّلون في الشوارع.
قل "ألم"
وستكون جدران الثكنات الإسمنتية
متعلّقةً بالنور:
في الليل الذي يصرخ بالدماء
تلتمع أغطيةُ النوافذ،
تلتمع النوافذُ المظلمة وتبرق.
في البيت المجاور، قريباً منّا،
حول العالم، ألْفُ صمتٍ يتآمر
ليضبط إيقاعَ الصرخة.
قل "جمال"
ولربّما، يا حبيبي، سأجد
هيئتك مرّة أخرى،
ولِساني يجول الوديانَ،
وأصابعي تتدفّق في المنحدرات
تبحث عن الهدوء،
عن العواصف،
وعن الفجر الحقيقي الذي يكسب دوماً،
لأحرق الجزء الأزرق شبه النائم منه،
أحوّله هواءً.
لربما تكون أنتَ مَن سوف أراه،
يا بلدي،
بأملٍ نامٍ بوضوح
على حافّة الرؤية:
في الأحياء الفقيرة،
في الوحل،
في التلال المجروحة،
في كتاب الضحك،
في الشوارع التي لا اسم لها،
في قبضات لغةٍ تنقشعُ
مع النجوم والشمس،
في اللهب المضطرب.
قل "شِعر"
ولربّما تصعدُ أصواتُ المرضى في الغد،
ولربما تبتسم وجوه الأرض.
■ ■ ■
أغنيةُ حب
شمسُ النوم ترتفعُ في رأسِكِ،
لونُ حبٍّ برقوقيّ، وملعقة لامعة،
بينما القمران اللذان وضعاني
قرب الأهلّة بتنهيدةٍ،
غرقا.
تلينُ الهمسةُ لتصبح نَفَسَاً.
في اللوح الزجاجي فوقكِ،
أحجبةٌ من خيوطِ العناكبِ
تصنعُ نافذةً وسطَ الطنينِ
لبندول طائرِ حناءٍ يحوم.
وإن كنتِ ستستيقظين الآن
تحت السماواتِ البعيدةِ لهذه الفكرة،
فلْتعلمي إذاً أنني صنعتها من أجلكِ،
ولتعلمي أنه في أجنحة طائر الحناء
البرقوقية الداكنة
كنتُ قد سمعتُ غناءً صيفياً.
* ترجمة من الإنكليزية: مصعب أبو توهة
بطاقة
Ciarán O’Rourke شاعر أيرلندي من مواليد عام 1991، يقيم في غالواي، غرب أيرلندا. له ثلاثة كتب شعرية، هي "النفَس المدفون"، و"حياة زجاجية"، و"فانتوم غانغ" الصادر هذا العام. جمع في كتابين، بعنوان "أحلام السيلولويد" و"اتّحادٌ عظيم"، مقالاته حول السينما والأدب وبعض الأحداث السياسية والاجتماعية والشخصيات الأدبية والفكرية. كما أصدر كتاباً نقدياً بعنوان "ملحمة أميركية: حول باترسون". حاصل على عدّة جوائز أدبية. وهو من مؤسسي مجموعة "شعراء أيرلنديون من أجل فلسطين" IRISH POETS FOR PALESTINE.