من الأحكام المسبقة التي تُعاني منها الفلسفة، تلك القائلة بأنّ لا منفعةَ لها. حُكمٌ يبدو متناسقاً تماماً مع الحداثة والراهن المأخوذين بالإنتاجية والفائدة، لكنه يبقى غريباً إلى أبعد حدّ عن الفهم الهيليني للفلسفة، التي لطالما اعترف اليونانيون القدماء ببُعدها العمليّ.
بعد اندثارٍ شبه كامل لمدّة طويلة، عرفت فكرة أن الفلسفة هي أيضاً تمرينٌ، وتمرينٌ روحيّ، عودةً في فرنسا بدءاً من منتصف القرن الماضي، على يد المفكّر المختصّ بالفكر اليوناني القديم، بيير هادو (1922 - 2010)، الذي أمضى حياته في تقريب ذلك الفهم اليوناني للفلسفة من عقول معاصريع، والذي تدين المكتبة له بأعمال مثل "التمارين الروحية والفلسفة القديمة"، و"لا تنسَ أن تعيش"، وكتاب الحوارات: "الفلسفة بوصفها طريقةً للعيش".
يمشي الباحث الفرنسي كسافييه بافي على خطى بيير هادو في كتابه "تمارين روحية فلسفية: من العصر القديم حتى يومنا هذا"، الصادر حديثاً لدى "المنشورات الجامعية الفرنسية" في باريس؛ حيث يقدّم أنطولوجيا تشمل مختلف التمظهرات التي عرفها تاريخ الفلسفة من الاستخدامات العملية لها.
يُعطي بافي صورة عن فهم كلّ واحدة من المدارس الفلسفية القديمة للفلسفة قبل أن يقدّم ويشرح التمارين الروحية المقترحة فيها، حيث نتعرّف على ما قدّمه الرواقيون والأبيقوريون والكلبيّون من أجل الوصول إلى السكينة والسعادة والفضيلة والحياة المُثلى.
على أنّ الباحث الشاب يبدو مختلفاً مع هادو في اعتبار أن الفلسفة كتمرين روحي لم تكن حِكراً على القُدماء، ولا سيما اليونانيين منهم، فهو يتجاوز تلك المرحلة التي تناولها هادو ليقدّم تأريخاً للتمارين الفلسفية في العصر الوسيط المسيحي، ثم في الحداثة، مع فلاسفة مثل الأميركي رالف والدو إميرسون، قبل الوقوف عند فلاسفة معاصرين مثل النمساوي لودفيغ فيتغنشتاين والأميركي تشارلز ساندرز بيرس.