يندرج "كتاب الفلاحة"، لأبي الخير الإشبيلي الشجّار، الذي عاش في إشبيلية بين القرنَين الخامس والسادس الهجريَّين وعاصر المعتمد بن عبّاد وعمل في بساتينه، ضمن الكتب التي اهتمّت بالزراعة والغراسة؛ حيث تناوَل مؤلِّفُه أبرز المحاصيل والأشجار التي عُرفت في بلاد الأندلس، وقدّم فيه دليلاً للراغبين بالعمل في الفلاحة، موضّحاً طُرق غرس وزراعة كلّ نوع من أنواع الأشجار والنباتات، وأيّ الشهور أفضل لزراعتها، وكيفية الاهتمام بها ورعايتها، مُعرّفاً بكيفية مكافحة الآفات التي تصيبها. ويورد الكتاب، أيضاً، حلولاً لمعالجة عدم إثمار الأشجار، وسقوط الثمار قبل نضجها.
ويشير الشجّار، في الكتاب، إلى تجاربه الشخصية، أو التي سمعها ونقلها عن آخرين، موضّحاً نفعها من عدمه، كما يُشير، في بعض المواضع، إلى معلومات تتعلّق بجمع المحاصيل، وطرق تخزينها، قبل أن يختتم الكتاب بالحديث عن بعض الحيوانات والطيور المستأنسة، وكيفية التخلّص من الحشرات والحيوانات الضارّة.
في العصر الحديث، نُشر الكتاب لأوّل مرة عام 1938 في مدينة فاس بالمغرب بعنوان "كتاب في الفلاحة لأبي الخير الأندلسي"، لكنّ الباحثة المصرية آية محمد الجندي تشير إلى أنّ هذه النسخة مليئة بالأخطاء، وتضمّ مخطوطات ليست جميعها للمؤلّف، فضلاً عن عدم ذكرها مكان وبيانات المخطوط الأصلي، مُضيفةً أنّ الكتاب نُشر للمرّة الثانية في مدريد عام 1990، بتحقيق الباحثة الإسبانية خوليا ماريا كاراباثا، غير أنّ تلك الطبعة لم تتضمّن كلّ أجزاء الكتاب.
في 2021، بدأت الجندي العمل على إنجاز دراسةٍ للكتاب. لكنّ ملاحظاتها تلك ستقودها إلى الاشتغال على تحقيقه. وكان ذلك يتطلّب الوصول إلى المخطوط الأصلي، والذي ستعثر عليه في "معهد المخطوطات العربية" بالقاهرة؛ حيث كان موجوداً هناك منذ 2012، لكن من دون إدراجه ضمن قاعدة بيانات المعهد. وبعد سنتَين من العمل، صدر الكتابُ حديثاً بتحقيقها ضمن "سلسلة التراث الحضاري" في "الهيئة العامّة المصرية للكتاب".
وتشير الباحثة المصرية إلى أنّه، وعلى الرغم من الأهمية العلمية لمؤلِّف "كتاب الفلاحة"، إلّا أنّه لم يُذكَر في كُتب التراجم الخاصّة بفترة ملوك الطوائف في الأندلس. غير أنّ ابن العوّام الإشبيلي أشار إليه مؤلفنا في كتابه "الفلاحة الأندلسية"، وذكَر أنّه استفاد من كتابَيه "الفلاحة" و"عمدة الطبيب"، واستفاد من تجاربه العلمية الزراعية، ووصفه بــ"الشيخ الحكيم".