لو سألنا ما الذي يجعل الرسام الإسباني خواكين سورويا (1836 – 1923)، حاضراً في لوحاته إلى يومنا هذا، لكَان الجواب، بلا شك، كلماتٌ مثل: الضوء، واللون، والأصالة، والعاطفة البصرية، والسعادة. غير أنّ هذه الكلمات لا تُعبّر بشكلٍ كاملٍ عن فرادة هذا الفنّان، فلكي نطّلع على تجربته، نحتاج للمزيد من الكلمات. وهذا تحديداً ما يجعل اللوحات مُشابهة للأشخاص، إذ إنها تغدو مُميّزة عندما نختارها، وعندما نحبّها، فالشروحات التي نُقدّمها لأنفسنا أولاً، ثم للآخرين، من أجل إثبات أنها لوحات مُميَّزة عن غيرها، غالباً ما تكون شخصية.
هذا ما يؤكّده الكاتب الإسباني كارلوس رييرو، في كتابه الجديد "سورويا أو الرسم كلحظة سعادة"، الصادر حديثاً عن دار "كاتيدرا" الإسبانية، والذي يكشف من خلاله الوحدة الجوهرية بين حياة سورويا وعمله الإبداعي، الأمر الذي جعل لوحاته مصدر إلهامٍ لا ينضب، ووسيلة للتعبير عن تجاربه الخاصة.
ينطلق كارلوس، أحد كبار المتخصّصين في الرسم الإسباني في القرن التاسع عشر، من جملة قالها الرسام الإسباني، وهي "أتمنّى السعادة للعالم كلّه"، ويحلّل بناءً عليها معنى السعادة الطافحة من لوحاته، والتي تصل إلى المُشاهد عندما يتأمّلها.
ويتساءل الباحث في كتابه، عبر تحليل تجربة الفنان الإسباني الإبداعية، عمّا إذا كان مُمكناً تعلُّم السعادة من خلال الفن؟ ويُجيب بأنّ الحياة لا يُمكن فهمها على أساس أنّها فُسحة من السعادة، ولكن يُمكن أن يُكوّن الخيال هذه المساحة الدائمة من السعادة، وهذا تماماً ما صوّره سورويا عبر تخيّله الضوء، والأطفال، والنساء، والشواطئ والأماكن الرائعة.
يتابع الباحث مقاربتَه في الكتاب، ويدرس مواطِنَه من خلال تجارب مُعاصريه، إذ يقول: "لم يكن سورويا غافلاً عن تجارب مُعاصريه، لكنه لم يخضع لإملاءات أكاديمية أو طليعية يُمكن أن تُبعده عن مفهومه الخاص للرسم، هكذا تحدّى المُقترحات الطليعية الأولية من خلال عدم التخلّي، عن الجوهر الإسباني، والذي عكسه في ألوانه الساطعة للمناطق المختلفة، وللملابس والمناظر الطبيعية".
لا يكتفي رييرو بتحليل سورويا الفنّان فحسب، بل يظهر لنا الزوج والأب والمعلّم والصديق، ذاك الرجل ذو الإنسانية العميقة الذي كرّس حياته من أجل الرسم والضوء والسعادة بكل جوانبها.