كاثرين بيلسي: في ضرورة تحجيم دور الثقافة

25 اغسطس 2022
لاي تشو/ الصين
+ الخط -

برحيل الناقدة والمفكّرة كاثرين بيلسي في شباط/ فبراير من العام الماضي (1940 ــ 2021)، فقدت الساحة الثقافية البريطانية اسماً بارزاً، حيث كانت بيلسي صاحبة إضافة في العديد من النقاشات حول النقد والحداثة ومفهوم الأدب وعلاقة الكتابة الإبداعية بالواقع، إضافة إلى مسائل مثل الجندر والهوية والاختلاف.

لم تكن بيلسي بالغريبة تماماً على الثقافة العربية، حيث سبق أن صدر لها كتابان بلغة الضاد، هُما "الممارسة النقدية" (دار المدى، 2001، ترجمة سعيد الغانمي)، وكذلك "الثقافة والواقع: نحو نظرية للنقد الثقافي"، الذي صدر عام 2017 لدى "الهيئة العامة السورية للكتاب" بترجمة باسل المسالمة، وها هي دار "التكوين" تُعيد إصداره في طبعة ثانية.

تطرح المؤلّفة في كتابها أسئلة حول معنى الثقافة، وإلى أيّ مدى يمتدّ نطاقها، وهل لها حدودٌ أم لا، وهل بإمكانها أن تُخبرنا أيّ شيء مهمّ عن أنفسنا، كما تتساءل عن المتعة التي يجب على الثقافة أن تقدّمها لنا.

الصورة
غلاف

تنطلق هذه الأسئلة، التي تفتتح بها بيلسي كتابها، من ملاحظة لتغيّر الدور الذي تلعبه الثقافة، فبعد أن كانت سابقاً "تتمتّع بفضيلة السماح بالاختلاف، مُسلِّمةً بتنوّع القيم الثقافية وممارساتها"، فإنها "صارت تشرح الآن كلّ شيء، وتحدّد ما كان موجوداً، وتعرّف هويتنا، وتجعل أجسادنا حقيقةً ملموسة'". بعبارة أُخرى، "أصبحت الثقافة حجر الأساس المعرفيّ"، كما سمح "إعطاء الأولوية الكاملة للأفكار والنص الثقافي المكتوب" بتأسيس "نوع جديد من الاستبداد".

وفي نقدها لهذا النوع من الثقافة الشمولية، تلجأ الكاتبة إلى مفهوم "الواقعيّ" (real) لدى المحلّل النفسي الفرنسي جاك لاكان، وهو مفهومٌ يختلف عن الواقع (reality). وهي تقول إنها استعارت مصطلح الواقعيّ "لتعريف ما لا نعرفه"، باعتبار أنه "لا يشكّل جزءاً من معرفتنا المكتسبة ثقافياً، بل يمارس أحكامه المستقلّة والخاصّة".

هكذا، تفتح المؤلّفة الباب على مجال واسع من التجارب الشخصية والنفسية والفنية والأدبية، التي لا يمكن للثقافة تقديم تفسير دائم لها، كما يعتقد الثقافويون الذين يرون فيها ــ في الثقافة ــ أساساً لكلّ ظاهرة إنسانية. وخلال استعراضها لهذه التجارب والظواهر، تتوقّف المؤلّفة عند عدد كبير من الفلاسفة والمفكّرين والكتّاب والفنانين، من القدّيس أوغسطين إلى سلافوي جيجك، مروراً بتشارلز ديكنز، وصاموئيل بيكيت، وإيمانويل كانط، وفرنسوا ليوتار، وجاك دريدا، وغيرهم.

المساهمون