في السبعين من عمره، رسَم كاتسوشيكا هوكوساي موجته العظيمة التي تتجمّد في ذروة ارتفاعها في لحظة كانت خلاله ثلاثة قوارب صغيرة تكافح طوفانها الذي هدّد بإخفاء جبل فوجي الأبيض، ليتناثر الثلج في المشهد الذي أصبح أيقونة خالدة في تاريخ الفن.
مثّلت العقود الثلاثة الأخيرة من حياة الفنان التشكيلي الياباني (1760-1849) مرحلة مهمّ من تاريخ الرسم والسرد في بلاده، في أعماله التي نزعت نحو الانطباعية بأسلوب خاص ومغاير لبدايات هذا التيار الفني في أوروبا، حيث ظهرت العديد من الدراسات التي تقارن بين تجربته وبين تجربة الفنان الهولندي رامبرانت (1606 – 1696).
يُفتتح عند العاشرة من صباح الخميس، الثلاثين من الشهر الجاري، معرض "هوكوساي: الكتاب المصوّر العظيم لكلّ شيء" في "المتحف البريطاني" بلندن، والذي يتواصل حتى الثلاثين من كانون الثاني/ يناير من العام المقبل، ويضمّ أكثر من مئة رسم تعود إلى الفترة الممتدّة بين عشرينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر.
نفّذ هوكوساي هذه الرسومات من أجل أن تصدر في كتاب يحمل عنوان المعرض ذاته، ولكن لأسباب غير معروفة لم يُنشر الكتاب، وتمّ حفظ أعمال كان من الممكن أن تتلف لأنها جزء من مطبوعات الفنان على الخشب.
تتناول الأعمال المعروضة مشاهد من الهند والصين في عصر هوكوساي وعصور سبقته، وكذلك المناظر الطبيعية في بلدان شرق آسيا، وهي تُبرز التقنيات المتطوّرة في الرسم بواسطة الفرشاة ومهاراته المتقدّمة في هذا المجال، كما يبدو اهتمامه بتصوير التبياين الطبقي حيث يظهر الفقراء وكذلك أبناء الطبقى الوسطى المتعلّمة.
وتعدّ رسوماته سجلّاً أيضاً للشعر الياباني الذي يجاور صورهم، حيث كانت الفكرة الأساسية من طباعة الكتب التصويرية في تلك الفترة من تاريخ اليابان تكمن في توثيق الشعر ومقتطفات من الأدب والروايات التاريخية عبر الرسوم التوضيحية، وبالطريقة نفسها قُدّمت أعمال الحفر والطباعة وتصميم البطاقات البريدية.
يتضمّن المعرض دراسة في أعمال هوكوساي مباشرةً، والأثر الذي تركه على كثير من الفنانين الأوروبيين، مثل كلود مونيه، ورينوار، وكليمت، وغوغان، وفان غوغ، ويضيء الفصل الأخير من المعرض حياة الفنان المِهَنية والشخصية، ويكشف عن موهبة لا تهدأ، استمرّت بالنموّ حتى سنواته الأخيرة.
في هذا الفصل، يتمّ الإشارة إلى أن زوجته وطفليه رحلوا عنه، ما تسبّب في ألم وحزن شديد لديه، وفي سنّ الخمسين صُعق ببرق، وأصيب بجلطة دماغية في الستينيات من عمره تطلّبت منه إعادة تعلّمه الفن، واضطرّ إلى سداد ديون حفيده الذي أدمن القمار، وكيف أنه رسم حوالي ستة وثلاثين مشهداً في وقت لم يجد فيه طعاماً يأكله، بعد أن دمّرت الفيضانات مدينة إيدو التي يعيش فيها، ومنها أعمال مرسمه التي أُتلفت جميعاً، كما حلّ وباء الجدريّ بسكّان المدينة.
كان هوكاساي يرسم كلّ يوم أسداً صينياً ويرميه من نافذته درءاً للحظ السيئ الذي لم يفارقه طوال حياته، كما أنتج العديد من الرسومات للتخلّص من الجدري وغضب الطبيعة لكنه لم ينجُ منهما، لتتحوّل هذه التعويذات إلى أيقونات تمثّل بدايات الحداثة في الفن الياباني.