كاتب من العالم: مع فؤاد سيفماي

20 ابريل 2022
فؤاد سيفماي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته قرّاءَه. "يمكن للأدب الحقيقي أن يختفي بين الأشياء المستهلكة، وعلينا أن نحاول منع ذلك"، يقول الكاتب والمترجم التركي في حديثه إلى "العربي الجديد".

 

■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
أعتقد أنّنا نشبه الكثير من البلدان النامية. هناك عدد كبير من السكّان، تقريباً، لا علاقة لهم بالفنّ أو بالأدب. هم لا يقرؤون كتاباً واحداً، وهذا أمر يدعو إلى التشاؤم. ولكن عندما تُصادف الأشخاص الذين يقرؤون بشكل أو بآخر، خصوصاً من الشباب، تقول: "حسناً، لا ينبغي أن نكون متشائمين إلى هذه الدرجة". وبمجرّد أن تجد بعض النماذج من هؤلاء القُرَّاء غير العاديّين، وإن كان عددهم ضئيلاً، تتجدّد كلّ آمالك حول الثقافة والفن والعالم بأكمله. تركيا في هذا الأمر، كما هي في كلّ شيء، على الأعتاب دائماً.

■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
كتاباتي وترجماتي تتنوّع بين الرواية والقصّة القصيرة وكتب الأطفال والترجمة. بشكل عام، أحب أن أبقى قريباً من اللغة الساخرة وأن أتجول في الزمان والمكان. من هذه الزاوية، قد يكون من الجيّد البدء بروايتي التي تُرجمت إلى العربية بعنوان "جراند بازار" لأنّه على الرغم من أنّني أصف السوق المُغطَّاة في إسطنبول في تلك الرواية، فإن هذه السوق تشبه إلى حدّ ما خان الخليلي في القاهرة أو سوق الحميدية في دمشق أو لافاييت في باريس أو تبريز في إيران، لأنّها جميعاً متشابهة في الجوهر والروح.

■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
أتساءل إذا كان الناس سيتوقّفون عن القتال يوماً ما، ويتعلّمون الاستمتاع بالعالم، ثم أقول، اترُك الأحلام الفارغة يا فؤاد. اذهب واصنع لنفسك كوباً من الشاي. وفي ما يتعلّق بالأدب، أحبّ أن أتطرّق إلى موضوع "الهوية". في روايتي الجديدة، التي أكتبها حالياً، والتي يمثّل فيها القدّيس نيكولاس الشخصية الرئيسية، هناك الكثير من القصص حول الهويات المفروضة علينا وما نحن عليه بالفعل، من الماضي إلى الحاضر.
 

■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
تشتهر الثقافة التركية عموماً بكرم ضيافتها. ربما صار ذلك أقلّ ممّا كان عليه قبل خمسين عاماً مثلاً، لكنّنا ما زلنا نحاول أن نحافظ على هذا الأمر، الذي أجده ذا قيمة في عالم يُقاس فيه كلُّ شيء بالمصلحة. كما أنّني سعيد لأنّ العنصرية لم تتجذّر في مجتمعنا مقارنة بالعالم الغربي. لكن من ناحية أُخرى، فإنّ القومية العمياء والتعصّب الأعمى، وليس جوهر الدين، يمكن أن يجدا بسهولةٍ مشترين في أراضينا. أنا منزعجٌ جدّاً من هذا. إذا استطعت، فأودّ أن أجمع 84 مليون تركي في ميدان كبير، وأقول لهم: "ياباني أو نيجيري، إنكليزي أو عربي، مسلم، بوذي، مسيحي أو ملحد، نحن جميعاً من نفس الأرض".

الأدب، في أحد جوانبه، هو سماع الصوت الودود داخلنا

■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
إذا كان المقصود مشواري الأدبي، كنتُ أودّ أن أبدأ الكتابة في مرحلة سابقة. لقد كتبتُ القصّة القصيرة لأوّل مرّة في سن الثامنة والثلاثين، وتطوّرتُ بشكل جيّد ومكثّف بعد ذلك، لكنّني أتمنّى لو كنتُ كتبتُ في العشرينيات من عمري بنفس الحماس الذي كنت عليه حينها. بصرف النظر عن ذلك، فأنا سعيد بالطريق الذي سلكتُه وبالمكان الذي أقف فيه.

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
ماذا لو توقّفنا عن استخدام الزجاجات البلاستيكية؟ دعونا نقلّل من استخدام البلاستيك. نحن ندمّر الطبيعة، ونخنقها بالخرسانة والبلاستيك، وهذا يؤلمني كثيراً. أتساءل: هل ستُتاح لنا الفرصة لجمع كلّ مصنّعي الأسلحة في العالم، من الصغار إلى الكبار في جزيرة؟ لندعهم يتقاتلون هناك إذا أرادوا، حتى لا يعبثوا بالعالم والإنسانية.

■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
أودّ أن ألتقي جيمس جويس، الذي قمتُ بترجمة أعماله إلى التركية، لكنّني أعتقد أنّني تمكنت من هذا الأمر جزئياً، من خلال إحضاره إلى إسطنبول في روايتي "حضرتي جيمس جويس" والتجوّل معه في إسطنبول اليوم.
بصرف النظر عن ذلك، أودّ أن أتعرّف إلى أتاتورك. ليس لديَّ الكثير لأفعله مع الشخصيات السياسية والقادة. أنا أكثر فضولاً تجاه الشعب، والناس العاديّين بشكل أخص، وهؤلاء من أكتب عنهم، إلّا أنّ أتاتورك من الأسماء الرائدة في قضايا مثل التحديث وحقوق المرأة والديمقراطية. لقد فعل كلّ هذا بعد انهيار إمبراطورية، وبعد حرب صعبة. سيكون من الممتع للغاية الاستماع إلى تجاربه وآرائه.
 

■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
الأدب والفن من المجالات الجاذبة. لذا، فهي مطلوبة من حيث الإنتاج والاستهلاك. رغم ما يركّز عليه هذا الطلب من إرضاء الأنا والركض خلف الأشياء الرائجة بدلاً من فهم المجتمع، وهي الوظيفة الحقيقية للفنّ. يمكن للأدب الحقيقي أن يختفي بين الأشياء المستهلكة، وهذا ما يجب علينا منعه. خلاف ذلك، سوف نستهلك العالم والفن، وفي النهاية أنفسنا. 

■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
لدي بعض القضايا الرئيسية؛ كالعلاقة بين الفرد والمجتمع، والفردية التي تفرضها الرأسمالية، والطبيعة والكدح. أحاول أن أناقش مثل هذه المواضيع في رواياتي وقصصي. نعم، يمكن أن تكون الكتابة قضيّةً في حدّ ذاتها. الكاتب هو الشخص الذي يحاول فهم المجتمع ويمكن أن ينقل ملاحظاته دون انحياز.

سعيد بالطريق الذي سلكتُه وبالمكان الذي أقف فيه

■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
أتصوّر أنّني محظوظ في هذا الأمر، لأنّني، بحكم عملي في مجال الترجمة، إلى جانب ترجمة بعض أعمالي، صرتُ أفكّر في هذه القضية من الجانبين، وأتصوّر أنّ هذا أمر مفيد للغاية. لذلك، بالطبع، أعتقد أنّ للمترجمين مساهمة كبيرة في الأدب العالمي. يمكنني فقط التعليق على ترجمات رواياتي إلى اللغات التي أعرفها. كانت النسخة الإنكليزية من رواية "السوق المُغَطّاة" جيّدة للغاية. وأنا في انتظار الترجمة الإيطالية (حيث تمكنني قراءتها). أرغب بشدّة في أن أتمكّن من قراءة اللغة العربية أو بعض اللغات الأُخرى، ولكن هنا علينا الاعتماد على المترجمين (والناشرين). أعتقد أن عملي سوف يتناسب مع جماليات اللغة العربية، وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر المترجمين على جهودهم.

■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
أنا أعشق اللغة التركية، وأعتقد أنّ كلّ كاتب لديه رابطة عاطفية مع لغته الأم. لا أقول إنه يجب أن يكون كذلك، ولكن ينبغي ذلك. إذا كنتَ لا تعرف إمكانيات لغتك والمياه التي يمكنكَ أن تُبحر فيها، فلا يمكنك صنع أدب عظيم أبداً ولا بأيِّ حال. بهذا المعنى، أرى لغتي أبعد من كونها أداة؛ إنّها مثل رفيق وصديق وحبيب نتبادل الهموم معاً.

■ كاتب منسيّ من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
لا أتصوّر أنّنا ننسى كُتَّابنا في تركيا، لكنني أعتقد أنّ أوغوز أتاي نادراً ما تُرجمَ وقرِئ في العالم. وأعتقد أنّه أحد أعظم الكتّاب، ليس فقط في الأدب التركي ولكن في الأدب العالمي أيضاً. وإذا رجعنا إلى الوراء قليلاً، أعتقد أن رفيق خالد كاراي وحسين رحمي غوربينار هما كاتبان عالميان وممتعان.

■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟
إنّه سؤال صعب. ولكن إذا كان بإمكاني أن أجعل القارئ يقول، بعد مئة عام، إنه كان رجلاً مسلّياً ولديه خيال واسع، فسأكون سعيداً حقّاً. لكنّي لا أعرف شيئاً عمّا بعد ألف سنة، أنا لا أدّعي أنّني سأكون مثل دانتي أو شكسبير. 

■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
الأدب في أحد جوانبه هو سماع الصوت الودُود داخلنا، عليه أدعو أصدقائي العرب أن يأخذوا نفَساً عميقاً وينظروا إلى سماء مصر أو لبنان أو سورية أو أي بلد عربي آخر، بعينيَّ، ولنشكرْ هذه الحياة الجميلة والصداقة التي بيننا.

بطاقة
Fuat Sevimay كاتبٌ ومترجم تركي من مواليد مدينة زونغولداك عام 1972، تخرّج من قسم إدارة الأعمال في جامعة مرمرة. صدرت له عدّة روايات؛ من بينها: "أينالي" (2011)، و"فوضوي" و"السوق المغطّاة" (2017)، و"حضرتي جيمس جويس" (2020)، ومجموعة قصصية بعنوان "قطعة موسيقية" (2014)، إضافةً إلى مجموعةٍ من كتب الأطفال؛ من بينها: "أحلام مجانية"، و"هيشت هيشت" و"بيت حيدر باشا". ترجم عدّة كتب من الإنكليزية إلى التركية؛ من بينها الأعمال الكاملة لجيمس جويس وبعض أعمال هنري جيمس وأوسكار وايلد. حاز العديد من الجوائز الأدبية؛ من بينها: "جائزة أورهان كمال" عام 2014، و"جائزة أحمد حمدي طانبينار" (2016)، و"جائزة مجلّة دنيا لأفضل ترجمة" لعام 2017.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون