كاتب من العالم: مع خوان كروز رويز

06 اغسطس 2023
خوان كروز رويز
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع القارئ العربي. "حتى الآن لم أكتب كل ما بداخلي، وأجهل السبب. حين أعرف ذلك، سأكون مجرد ذكرى فقط"، يقول الكاتب الإسباني لـ"العربي الجديد".


■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟

لكي نفهم جيّداً تطوُّر المشهد الأدبي والثقافي في إسبانيا، والأدب الإسباني عموماً، لا بدَّ من قراءة "جيل الـ27"، ولا بدَّ من أخذ فكرة عن الأدب الذي كُتِب ما بين الحربَين العالميَّتين، وقبل الحرب الأهلية الإسبانية، وأعني تحديداً الشعر، أي لوركا ولويس ثيرنودا وأنطونيو ماتشادو. ثمَّ، أعتقدّ أنّه من الضروري معرفة الأدب الإسباني الذي كُتب في المنفى، وأدب الكُتّاب الإسبان الذي بقوا في إسبانيا، لكنّهم رفضوا أن يكونوا مع الديكتاتورية. هؤلاء طوّروا أدباً مهماً، لا يُمكن فَهْم إسبانيا من دونه، وهنا أُشير تحديداً إلى ميغيل ديليبس. ثم بعد ذلك، يأتي جيلُ الثمانينيات، وأعني أولئك الكُتّاب الذي عايشوا التغيُّر الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي عاشته إسبانيا في تلك الفترة، خصوصاً مع مرحلة الانتقال السياسي وانتهاء ديكتاتورية فرانكو. باختصار، لكي نفهم المشهد الأدبي والثقافي في إسبانيا، علينا أن نقرأ الأدب الذي كتبه الشعراء والروائيون والمفكرون في كلّ حقبة تاريخيّة، دون أن نحجب أي حقبة أو أي كاتب، لأنهم جميعاً سيساعدونا على فَهْم أفضل للمشهد الأدبي في إسبانيا. 
شخصياً، أعتقد أنّه لا يمكن فَهْم أو تأريخ الأدب في إسبانيا دون أن نأخذ بالحسبان حركة "البوم" أو "الانفجار" الأدبي التي ظهرت في أميركا اللاتينية. لقد شكّلت هذه الحركة ثورةً بالنسبة للأدب الأسباني. هذا هو الأدب بالمعنى العميق للكلمة، إنه ثمرة تطوّر وتقدّم الشعوب. 


■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟

كتابي الأول، الذي يحمل عنوان "تاريخ العدم المُتشظّي"، والذي نشرته عندما كان عمري عشرين عاماً. لا يزال الكتاب حاضراً حتّى اليوم بموضوعاته. أعتقد أنه من أفضل ما كتبته حتى الآن، وحقيقة لا أفهم سبب ذلك. ربّما لأنني حينها كنت متأثّراً بالعديد من التقاطعات الأدبية المؤثّرة من أدب أميركا اللاتينية، والأدب الأوروبي، خصوصاً الكاتب النرويجي كنوت همسون، الذي ترك أثراً كبيراً في حياتي وفي أسلوب روايتها. لذلك أنصح بالبدء بهذا الكتاب، ثم الانتقال مباشرةً إلى كتابي الأخير "1200 خطوة". هكذا سيكون بإمكان القارئ أن يرى كيف تطوّر الكاتب الذي بدأ في سنّ العشرين، وكيف هو الآن، لا سيّما أنه سيحتفل بعيد ميلاده الخامس والسبعين في السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر المُقبل. 

 

■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟

ماذا سيحدث لي حين أجهل كيف أكون سعيداً؟ وماذا عليّ أن أفعل كي أروي هذه السعادة؟ وهل ستكون في حياتي لحظة أخيرة من السعادة؟


■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟

أكثر ما أحبّه في الثقافة التي أنتمي إليها هو ما أعرفه عنها، وهو بالضبط ما أقوم به في هذه اللحظة: معجزة الكتابة، هذا الإحساس الاستثنائي الذي يحدث عندما يكون هناك فراغ ما، لكنه سرعان ما يمتلئ بأسطر تعبّر بالضبط عمّا كنت أفكر به، ولكن ليس بالضبط ما أريد أن أقوله. إنها معجزة جميلة. أتمنى أن أغيّر الألم، ألم الآخرين الذي يشغلونني، لا أستطيع أن أتحمّل الألم. هذا هو تطلّعي: أن أساعد كي لا يكون هناك ألم. 

يبدأ الكتّاب من الحرية، أمّا الالتزام فهو أمر سياسي
 

■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

كنت سأبحث عن طبيب قادرٍ على علاج أمي التي ماتت مبكراً، أو بعد فوات الأوان. وكنت سأوكل الأمر لذلك الطبيب كي يبقى إلى جانب إخوتي وأبي. وكنت سأطلب منه أن يبقى إلى جانبي، حتى يبحث بعِلمه عن علاجٍ لكل من يُعاني في هذا العالم.  


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

الصحة. أتمنّى الصحة. عندما أودّع أصدقائي دائماً أتمنّى لهم الصّحة. ربّما لأنني أعاني من مرض مُزمن منذ طفولتي، لهذا لم أعُد قادراً على تحمُّل الآلام التي يُعانيها الأطفال والكبار. وحتّى لو لم يُعبّروا عنها، فأنا أحسّ بها وأشعر ببُكائهم. ربّما لأنني تعلّمتُ البكاء متأخّراً، ذلك أنني في طفولتي لم أكن أبكي كثيراً. 


■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 

كنتُ أتمنّى أن أقابل الكاتب الغرناطي أنخيل جاميفيت (1865 - 1898) كي أمنعه من الانتحار. وددت أيضاً لقاء سيزار فاييخو، وفيرجينيا وولف وميغيل دي أنامونو وماري كوري. كنتُ أودُّ أن أعرف كيف كانوا يضحكون.
 

■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟

غياب السعادة هو الخطر الأكبر الذي يهدّد الإبداع، وبالتالي غياب الأصالة والتمزّق. الزيف أيضاً. 


■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟

كلا، لا يُمكن أن تكون الكتابة، أو الأدب عموماً، قضية بحدّ ذاتها. التضامن، على سبيل المثال، يُمكن أن يكون قضية بحدّ ذاته، أما الأدب فلا ينشغل بمثل هذه الأمور، إنّما يرويها. يكتب الكُتّاب انطلاقاً من الحرية، أمّا الالتزام فهو أمرٌ سياسي، وهو أمرٌ مهم وضروري بالنسبة إلي، وأمارسه كمواطن، لكن الكتابة أمر مختلف تماماً. إنّها حرّيتي المُطلقة وأُمارسها، أمّا القضايا فهي احترامي للآخرين. 


■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟

صدرت لي مؤخّراً ترجمةٌ بالإيطالية لكتابي "حافي القدمين". عنوانه الأصلي بالإسبانية "طفل حافي القدمين". وهو كتابٌ أتحدّث فيه عن ابنتي وحفيدي أوليفر، وطفولتي. لا شك في الإيطالية "A piedi nudi" لها وقع موسيقي أجمل. كنتُ أتمنى لو أعرف الإيطالية لكي أكتب كتابي. لكنه الآن مكتوبٌ. ولستُ من كتبه. إنه شخص يدعى آنا فاليفيني، المترجمة. المترجم عموماً هو ذلك الشخص الذي يصاب بعدوى السعادة التي يشعر بها الكاتب، وينقلها. أنا سعيد لأنها ترجمت كتابي، ونقلت عدواي. 


■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟

علاقة طبيعية إلى أبعد الحدود، لكنّها مليئة بالخوف. حين أبدأ بالكتابة، أخاف دائماً من أن يخرج الزبد، كما كان يقول بابلو نيرودا. ولكن مع هذا أكتب. حتّى الآن لم أجرؤ على كتابة كل ما يوجد بداخلي. وأجهل سبب ذلك. ربما عندما أعرف السبب، سأكون مجرد ذكرى لا أكثر. 

غياب السعادة هو الخطر الأكبر الذي يهدّد الإبداع

■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟ 

أحبّ أن يُفاجأ القرّاء وحدهم. لكن مع ذلك، أحبّ أن يقرأوا خوان كارلوس أونيتي. 


■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟

صورة طفلٍ يذهب وحيداً إلى صفّه المدرسي، وتلبسه رغبةٌ عارمة كي يعود إلى المنزل ويرى ماذا تفعل أمّه.


■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟

لديكم كتّاب استثنائيون مثل أمين معلوف. اقرأوه. اقرأوا الشعر. اقرأوا أدونيس، إنه شاعر مُقدّس. الأدب نعمةٌ تقع على عاتق البعض فحسب. لهذا يجب أن نستمع لهُم، كما لو كانوا في داخلنا، في عرض البحر، أو عالياً في قمم الشجر.


بطاقة 

Juan Cruz Ruiz صحافي وروائي إسباني، من مواليد تينيريفي (1948). درسَ الصحافة والتاريخ في "جامعة لاغونو". ساهم بتأسيس جريدة "الباييس" الإسبانية، وعملَ فيها مُراسلاً من لندن، ثم رئيساً للقسم الثقافي. له العديد من الكتب والروايات، من أشهرها: "صورة الدخان" (1982)، و"مناطق الذاكرة" (1995)، و"شخصيات أُولى" (2018/ الغلاف). نال العديد من الجوائز الصحافية والثقافية، من أبرزها: "الجائزة الوطنية للصحافة الثقافية" (2012).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون