قنافذ في الجيب الخلفيّ

17 مايو 2023
من سلسلة "طيور، أشجار وجبال" للفنان الهندي جاديش سواميناثان، زيت على قماش، 1971
+ الخط -

الجسدُ؛ فاعلن،
هذا الذي يبني مملكَتَه فيه الكل؛ مستفعلن مستفعلن مستفعلن، 
مكسور ذا؛ مفعولات،
لا شيء يحفظه؛ مستفعلن فعلن،
ولا يحفظ؛ فعولن فعو.

الشعر؛ تمارين كي أقول ما يشبهني
كي أقول باسمي ما لا يُقال
تمارين بلا معلّم سواي
أحدها ـ وقد توقّفتُ منذ مدّة عن اعتبار الركض، مثلاً، 
أو الصراخ، تمريناً ـ 
أن أحمل اللغة ـ بيت الكائن ـ وأعبر الصحراء
سلطعونَ رمل،
وأن أسبّب شرخاً، أو أُحدث خللاً في توزيعنا، نحن البزَّاقات، على شاشة المرئيّ
وتشوُّهَاً في صحّة الميتافيزيقا،
وإرباكا في منطق الإجابات، 
أو أسحب نهراً إلى لا اتجاه،
وأقيم ألفةً مع العموديّ.

قلت هذا في تأويلي للصواب 
وسمعته في تأويل الخطأ

السهام لتخترقني
أنا القربة الجافة،
هذا تمرين في اصطحاب الغيم إلى رحلة تحت الماء 
لإيصال التوتّر إلى جهة ناشفة
ليس بعيداً رغم ما يبدو 
ليس عالياً كما يوحي الظاهر
ليس باطنياً بقدر ما هو عميق 
وعكس المتوقَّع؛ 
هو الظل.

كان يجب أن أنكسر 
حتى لا أكون الفائض 
عن الحاجة.

أيُّ اسم؟
كي أبدأ اللغة.

النزوح سِمَة؛
البيت الذي أحمله على ظهري كالبزَّاقات
الذي أعدو به خلف الأسيجة 
والكثبان 
والمدرسة
مناطق الالتقاء للهشاشة،
للجذام،
للهامش، 
للجنون،
للسكيزوفرينيا،
للوهم،
ولأدلّة ممارسات الإقصاء والنبذ،
منطقة الفعل الأكثر سلطوية للذين يدّعون الحقيقة،
الذين يقيسونها بالسنتيمتر،
ويقلّمون أطرافها كلّما خرجت عن مجال الرؤية أو حدود الكائن، 
بيتٌ للغيب اللا ـ يحدّ؛
شرخٌ.

يتّسع الشيء،
ما دمنا نقول هذا الجنون في اللغة.

بترت يدي
تلك التي صنعها الله
كي أكتب بها لا ما يقول جسدي
بل تأويلات لكلمته الواحدة
وكتاباً ثم كتاب حول الكتاب.

أي قول باسمي 
كي أبدأ اللغة؟

هذا جسدي.
لا أوشامه،
لا النتوءات التي لا إعراب لها،
لا شاماته،
لا الثنّيات بكل جغرافيا الأبعَاد، 
بكل تاريخ اللذاذات،
بل هو...
آلة ضد كل شيء.

على جسدي بشرة ليست له،
كما على لساني كلامُ الغير،
كما على صوتي أثرٌ للَكْنة ذات جلال قديم؛
الصدى إذاً ليس لي،
وامتداد الظلّ
ـ هذا الظل الذي أرى في الأعلى، لسواي.

قلت: لم أتعلّم رقص الجدات،
ولا ولعهنّ بالتدخين سرّاً، 
لم أتعلم بناء الأسيجة،
أو خياطة الأقمشة الملوّنة من ثياب بَليَتْ،
ولا كيف أوزع الاقتباسات والعقوبات على فتاة تُكسّر،
لم أتعلّم كيف أمتح ضرع المُثُل، واللغة الخامرة،
ولا كيف أقوم من النوم بجبهة منتفخة،
بخد متورّم،
أغتسل،
وأتحرّك كما لو كانت الأعضاء تتثاءب
مرتبكة بالجديد والخجل،
كما لم أتعلّم كيف أدسُّ في الرمل مثل السحر 
الحُبَّ والرغبة،
أو أوزّع مثل أرغفة الخبز حزني
كي ينفذ.

لا أعرف كيف لا يثقل الحياة 
هذا التكرار
لجثة واحدة؟

نلعب،
نحتجّ،
حركاتٌ للجسد...
علاماتٌ في اللغة.

نحبّ؛
هذا الاندفاع،
قوة الاعتراض الوحيدة.

نحن كهف للصور لا للظلال،
لكننا نغلق جرحه بالتسميات،
بالخوف،
والأغطية.

كان الحُب وخُلق جسدي لأجله
تماماً كالحياة،
التي جئتها شاهد إثبات
وخنتها...

كنت امتلكتُ الزمَن ـ قناعي الأوحد،
ليس مِن ملكية أقلّ كي لا أتعفّن،
كي لا أقفز في الهواء،
مستبدلةً أعضائي بالكُره،
وروحي بالضغينة،
وكُليَتي بمقعد في سينما
أتفرج منه على شاشة بيضاء
تسخر.

حفرتُ الماضي؛
لم يلفظ البركان سوى نعل،
كل الأعالي سطوح،
كل الأعماق هذيانات،
والغيب فم.

أختزل نفسي في الحب: 
المنفجر فيه أنا،
المنكسر فيه أنا،
البركاني في العالم.

ليس هناك ما يكفي من توحّش لأتجاوز،
روحي "قلقٌ".

الذئاب تجرّ أذيالها تحت قشرتي الجافّة،
الغابات تحت البياض تتنفس علّة السؤال، 
وكلّ الجهات في جسدي
شظايا.

مثل القصّابين أمسح بالدم فمي،
أحفُّ الجلد من الشَّعْر ـ
من هيبة الحيّ،
والأمعاء من رهبة المجاهيل،
من فكرة العميق جدّاً والاستثنائي.

جسدك مبراة،
كل جرأة تحيل إليك،
هذي رؤاك قنافذ في الجيب الخلفيّ للحاضر،
القوانين قُرَّاداتٌ في ظهور الضباع،
أنت خفّاش
يحاول فيزياء الرؤية في الظلام 
بالحركة المفرطة،
تمتلك ألوهية التوقُّع والحدس 
وأبدية التجول مثل الجراد
بلا أرْديةٍ.

إلّاها فيك
الخرائب والرغبات المطفأة،
إلَّاهُ فيك
الغبار.


* شاعرة من فلسطين

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون