في أعوام 2020 و2021 و2022، خصّصت مجلّة "قضايا إسلامية معاصرة" ثلاثة أعداد على التوالي لـ"مشكلة الشرّ". وبالتزامن مع الإبادة الصهيونية المستمرّة في غزّة منذ أكثر من عام، تستكمل الدورية المُحكَّمة، التي تصدر عن "مركز دراسات فلسفة الدين" في بغداد ويرأس تحريرها الباحث عبد الجبار الرفاعي، هذه الموضوعة بعدد رابع صدر حديثاً (عدد مزدوج 79 - 80)، ويقع في خمسمئة صفحة، حيث وقّع الافتتاحية الباحث علي المدن بعنوان "الهوامل والشوامل في إيقاظ العقل الخامل بالتساؤل".
تضمّن ملفّ العدد سبع دراسات تناولت "مشكلة الشرّ" من جوانب فلسفية واجتماعية ولاهوتية في التراثَين الإسلامي والغربي؛ حيث قرأت أستاذة الفلسفة في كلّية مانهاتن الأميركية نسرين روضاتي، في دراستها الموسومة بـ"الشرّ والمعاناة الإنسانية في الفكر الإسلامي: نحو نظرية عرفانية للعدالة الإلهية"، مفهومَ الشرّ ضمن الإطار القرآني، مقدّمة لمحة تاريخية موجزة عن الجدل الفلسفي والكلامي حول مفهومَي "الخير" و"الشرّ"، ونشأة الفكر الكلامي في الإسلام.
أمّا أستاذ الفلسفة بكلّية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة سوسة بتونس محمد بوهلال، فتطرّق إلى "معضلة الشرّ في اللاهوت والفلسفة الوسيطَيْن" من حيث هي مشكلة نظرية وأخلاقية محيّرة دفعت إلى محاولات عدّة لتفسيرها والبحث عن مبرِّر معقول لوجودها، فمنذ الألف الثالث قبل الميلاد كان المجتمع البابلي يفسِّر ما يصيب أفراده من شرور بانتهاكهم الأوامر الدينية والمحرّمات الأخلاقية.
معضلة شغلت الفلاسفة قديماً وتتمثّل اليوم بهيئة مجزرة مفتوحة
"مشكلة الشرّ في اللاهوت الإصلاحي: جون كالڤِن وكارل بارت نموذجاً" و"مشكلة الشرّ بين الواحدية والثنائية"، دراستان مأخوذتان من كتاب "الشرّ وإله المحبّة" للاهوتي وفيلسوف الدين البريطاني جون هيك (1922 - 2012)، ترجمهما عبد العاطي طلبة، وتضمّنهما ملفّ المجلّة، ويتناول فيهما المؤلّف اللاهوت الناشئ عن عصور الإصلاح الكَنسَي الذي ابتدأت قيامته في القرن السادس عشر، وكان هدفه تجديد الكنيسة، لكنه أدّى في النهاية إلى قيام كنائس منفصلة عن الكنيسة الكاثوليكية، وهي الكنائس البروتستانتية اللوثرية، والمشيخية، والكنيسة الأنغليكانية.
أمّا الباحث والأكاديمي التونسي غفران حسايني، فتبحث ورقته في "تأويلية الشرّ وتمظهراته: في المملكة الإنسانية عند ملّا صدرا الشيرازي" من خلال استعادة إشكالية الشرّ بوصفها قضية لا تخلو من التعقيد في الفلسفة الإسلامية، لافتاً إلى أنّ تأويلية الملّا صدرا (1572 - 1641)، لقضية وجود الشرّ لا تنبني على مجرّد التفكير العقلي وإقامة البرهان الفلسفي، بل يعاضدها تأويل الكلام الإلهي وإشراكه في حلّ الإشكاليات والقضايا الفلسفية الكبرى بشكل عام.
ويركّز الباحث المغربي حسن العلوي في دراسته "الشرّ بين الطبيعة والثقافة: مقاربة تركيبية"، على سؤال: "هل كان بإمكان الوعي الذي اكتسبه البشر، وارتقى بمقتضاه إلى مرتبة الإنسان، أن ينتزع من الوجود وظواهره، ومن الحياة ومعطياتها، فكرةً سمّاها 'شرّاً'، بوصفها جانباً رئيساً ممّا يُسمّى بـ'القيم' عامّة؟". واختتم الباحث المغربي رشيد بن السيد ملفّ المجلّة بدراسة عنوانُها "نقد دليل العناية في فلسفة سبينوزا".
وخارج الملفّ، تضمّنت المجلّة الدراسات التالية: "تحوّلات الظاهرة التوحيدية في العصر الحديث" لعبد المجيد الشرفي، و"أيّ دولة إسلامية في مشروع وائل حلّاق: دولة التاريخ أم دولة الرسالة؟" لرياض الميلادي، و"من الوجوب إلى الإمكان: مقال في أنطولوجيا البديهية الأُولى" لمنذر جلوب، و"الحِجاج في الدرس الكلامي: رؤية لتجديد علم الكلام في ضوء المقاربة التداولية" لرمزي تفيفحة، و"الله واللغة" لأمير زماني، و"الوحي والقول الثقيل في علم الكلام الجديد عند عبد الجبار الرفاعي" لضياء خضير، و"مشروع علم الكلام الجديد للرفاعي: مراجعة نقدية" ليوسف بن عدي، و"الهوية والعالمية أو الإنسان العالمي وقلق السايبر - في كيف نكون عالميين؟ مساهمة أنطولوجية في فهم أناركية نماذج الوجود العالمية السائدة" لمحمد حسين الرفاعي.