قرار تقسيم فلسطين.. الانحياز الغربي للصهيونية

29 نوفمبر 2023
(من اجتماع الأمم المتحدة للتصويت على قرار تقسيم فلسطين)
+ الخط -

في عام 1937، قدّم إﻟﻴﻤﻴﻠﺦ أﻓﻨﻴﺮ زليكوفيتش، أحد قادة عصابة الهاغاناه، خطة للاستيلاء على فلسطين عبر السيطرة على الشمال ثم التقدّم التدريجي إلى الجنوب، بناء على أوامر بن غوريون الذي بدأ منذ تلك الفترة التخطيط لتشكيل قوة عسكرية قادرة على التحكّم في حال غادرت قوات الاستعمار البريطاني، وأتت "خطة أفنير"، بالإضافة إلى تصوّرات أخرى وُضعت خلال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) لتنفيذ المشروع الصهيوني.

انطلقت العصابات الصهيونية للعمل على الأرض على نحو مُخطط ومدروس قبل قرار تقسيم فلسطين الذي تبنّته الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1947؛ الذي تمرّ اليوم ستّ وسبعون سنة على صدوره، وتحرّكت ضمن استراتيجية لم تهدف إلى الدفاع عن المستوطنات اليهودية فحسب، بل تضمّنت اغتيال قيادات فلسطينية، ومهاجمة البلدات التي تحتمل أن تشكّل حاضنة لأي عمل مسلح ضدّ المستوطنين، وكذلك تخريب الآبار وطواحين الحبوب وغيرها.

تكثّفت أنشطة العصابات في أكثر من اتجاه، في محاولة لخلق حالة من الرعب لدى الفلسطينيين وإرهابهم، خاصّة بعد عام 1940، لكنها أيضاً عملت على استهداف من سمتهم "اليهود غبر المتعاونين" الذين كانوا ينتقدون الصهيونية، كما قامت هذه العصابات بأعمال عدوانية ضدّ البنية التحتية المدنية والعسكرية للاستعمار البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، في خطوة سعت إلى تسريع خروج البريطانيين من فلسطين.

لا يزال القرار محلّ جدل قانوني وسياسي، كونه لا ينسجم مع مبادئ الأمم المتحدة وليس من اختصاصها

وتزامن ذلك مع قيام الولايات المتحدة ودول غربية عديدة بتحرّكات سياسية داخل أروقة الأمم المتحدة إلى اعتبار مشكلة اللاجئين اليهود الذين هربوا من ألمانيا النازية "مسؤولية عالمية"، وتمّ الضغط على البريطانيين لاستقبال أعداد أكبر من اليهود المهاجرين بعد عام 1946. هكذا ارتسم المشهد في فلسطين عشيّة اجتماع الجمعية العمومية في نيويورك.

وكانت الجمعية قد قررت، في جلسة استثنائية عقدتها في نيسان/ أبريل عام 1947، إرسال لجنة دولية لتقصي الحقائق إلى فلسطين، وأتت توصياتها بعد ثلاثة أشهر باقتراح التقسيم بعد خروج البريطايين، وإنشاء دولتين مستقلتين تجمعهما وحدة اقتصادية، على أن تكون القدس والأماكن المقدسة فيها تحت وصاية دولية.

وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181، حيث أيّدت ثلاث وثلاثون دولة مشروع التقسيم، وعارضته ثلاث عشرة دولة، بينما امتنعت عن التصويت عشر دول (منها بريطانيا)، وتغيّب مندوب دولة واحدة، وقد مارست القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا، ضغوطها على دول عديدة للتصويت لصالح القرار.

ولا يزال القرار محلّ جدل قانوني وسياسي كبير حيث يرى العديد من الدارسين أنه لا ينسجم مع مبادئ الأمم المتحدة، وليس من اختصاصها إصدار مثل هكذا قرار لم يصدر مثيل له منذ تأسيسها إلى اليوم، ناهيك عن رفض الأمم المتحدة جميع المقترحات العربية التي قدّمت آنذاك حول حق الشعب الفلسطيني تقرير مصيره أسوة ببقية الشعوب العربية التي خضعت للاستعمارين البريطاني والفرنسي.

نصّ القرار على إنشاء دولة عربية تبلغ مساحتها حوالي 12 ألف كلم مربع، وهو يمثّل أقل من 46% من مساحة فلسطين، وتقع ضمنها منطقة الجليل الأعلى، والضفة الغربية، والساحل الممتدّ من مدينة أسدود وحتى الحدود المصرية مع جزء من صحراء النقب، ودولة يهود على مساحة تقدّر بنحو 15 ألف كلم مربع، وتشمل بقية الساحل الفلسطيني مع طبرية وبيسان والمدن الداخلية وصولاً إلى أم الرشراش جنوباً، واعتبار القدس تحت الوصاية الدولية.

مثّل قرار التقسيم انتصاراً للصهيونية في واحدة من أهمّ معاركها السياسية المؤسِّسة للكيان الصهيوني بفضل الدعم الغربي لها، عبر الاستناد إلى قرار أممي بشّر عن حركة لم يكن معترفاً بها في معظم بلدان العالم منذ تأسيسها وحتى الحرب العالمية الثانية، وإن لم تقبل العصابات اليهودية ما مُنحته لها الأمم المتحدة، فشنّت عمليات التطهير العرقي لتحصل على مساحات أكبر في الجليل والنقب.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون