"في انتظار فرس الغياب".. صوغٌ رقمي للتراث

26 نوفمبر 2022
(جانب من المعرض)
+ الخط -

استلهام التراث بوصفه موضوعة تشكيلية، غالباً ما يستدعي المحافظة على الأدوات الفنية التقليدية، بحكم أن التقاطُع أو التقارب بين طرفي العملية التشكيلية، هو ما يُعطي المادة تناسُقها. لكن أن يُستعان بأدوات رقمية وبرنامج حاسوبي خاص، لتمثيل مفهوم حميمي وتراثي، مثل الغياب بعناصره وتأويلاته المرتبطة بالمكان والبيئة، فهذا أمر لا يخلو من التحدي.

"في انتظار فرس الغياب"، عنوان المعرض الذي يوقّعه التشكيلي والناقد الفلسطيني غازي انعيم (1960)، من خلال 30 لوحةً، يحتضنها حتى آخر هذا الشهر "غاليري رؤى" في العاصمة الأردنية عمّان. في تجربةٍ تمزج بين الرقمي كأداة تنفيذ، والتراثي كموضوعة وسؤال ينتظر الصياغة.

تفرض التقنية على لوحة انعيم لمستها الخاصة، حيث تختفي النتوءات التي تتركها الفرشاة العادية على الورق أو القماش، في حين تتمدد الزوايا لتستحيل إلى استدارات أكثر منها خطوطاً حادّة، ولا أيضاً منكسرة. بمعنى آخر فإن للدائرة ظلّاً تُلقيه على عناصر اللوحة، وحدها تبدو صلة الوصل التي يمكن للوجوه والبيوت والآفاق الطبيعية أن تثق بها.

الصورة
من أعمال غازي انعيم - القسم الثقافي
(من المعرض)

كما يُمكن للمتلقّي أن يُلاحظ مجموعة من الطقوس والإشارات تلفّ اللوحات، فالغياب ربّما هو التمثيل القاسي عن مفهوم الحضور، مفارقة نلتمسها من حياتنا اليومية وأمثالها الشعبية، إذا لم نقل شيئاً عن حضورها أيضاً في تاريخنا السياسي المعاصر. 

وهنا تطلّ البيئة الجغرافية بعناصرها، الفرس أوّلها هذا صحيحٌ لا شك فيه، لكن أيضاً لا يُمكن إغفال الزهور والسهول، وأحياناً الأصوات في حال احتسبنا آلة العود وحضورها في بعض اللوحات، إلى جانب اليمامة بما تُحيل إليه من تطلّع إلى أمان وسلام، مقابل السيف. وإن ظلّ الاثنين أي الفرس واليمامة يرمزان بعمق إلى الخفّة والرشاقة، والابتعاد عن شرط الواقع وجاذبيته صوب الحلم والطيران.

الصورة
من أعمال غازي انعيم - القسم الثقافي

إلا أنّ كلّ ما سبق يبقى ناقصاً حتى تحضر المرأة التي لا تشغل فضاء اللوحة فحسب، بل تكثّف حالة الانتظار؛ انتظار الابن الشهيد، أو عودة الحبيب، أو الوطن والأرض المُستَلبة، بوصفهم تنويعات رمزية ممسوسة بيد الغياب أو التغييب. إلى جانب أن في ملابسهنّ المُطرّزة وتفاصيل وجوههنّ التي قاربت البورتريه نستطيع أن نلاحظ الملمح الاستداري الأبرز في الأعمال، ربما لأن الغياب بذاته عبارة عن دائرة لا تنتهي كلّما أفلتَ منها عنصر، تخطّفت من وجودنا عناصر أُخرى، ولأنها (الدائرة) شكل هندسي رقمي/ تكنولوجي في نهاية الأمر، بُنيت بها أعمال المعرض.

المساهمون