- الموسوعة المكونة من تسعة مجلدات وكتاب إضافي عن القدس، تقدم وصفًا دقيقًا للمدينة وتضاريسها في بداية القرن العشرين، معتمدة على الحفريات الأركيولوجية والصور التاريخية، خاصة تلك التي التقطت قبل عام 1880.
- دالمان يعكس في عمله ثلاثين عامًا من البحث، مؤكدًا على أهمية دراسة الثقافة المادية لفهم القدس وفلسطين، مع التحفظ على استخدام نصوص التوراة في البحث الأثري، ويبرز أهمية المصادر السريانية، مقدمًا مساهمة قيمة في فهم التاريخ والثقافة الفلسطينية.
في إقامته المديدة في القدس التي قاربت عشرين عاماً، درَس عالم الآثار واللاهوتي الألماني غوستاف دالمان (1885-1941) الحياة اليومية للفلسطينيّين في مجالاتها المختلفة، بدءًا من مواسم الزراعة والحصاد وعاداتهم الاجتماعية المتعلّقة بالموت والأعراس، وكذلك الطقوس الدينية، ومختلف تعبيراتهم الثقافية كما تعكسها الأغاني والموسيقي.
ورغم أنّه مثل غيره من المستشرقين الذين سعوا إلى مطابقة المصادر التوراتية على جغرافيا فلسطين، إلّا أنه كان أكثر تحرّراً منهم في العودة إلى مراجع أخرى توفّرت له، على قلّتها، في تلك المرحلة، وهو الذي جمع أكثر من خمسة آلاف كتاب حول فلسطين، ليضع ملاحظاته البحثية في موسوعته الشهيرة "العمل والعادات والتقاليد في فلسطين".
صدرت الموسوعة عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، نهاية العام الماضي، في تسعة مجلّدات، مع كتاب عاشر نشره دالمان بعنوان "القدس ومحيطها الطبيعي" عام 1930، بترجمة أستاذ لغات الشرق القديم والباحث الأردني الفلسطيني عمر الغول.
يتضمّن الكتاب وصفاً دقيقاً بالاعتماد على الحفريات الأركيولوجية والصور والخرائط التي مكّنته من تقديم دراسة تفصيلية لتضاريس المدينة ومعالمها التاريخية في بداية القرن العشرين، على نحو يضيء التحوّلات العمرانية والسكانية التي عاشتها آنذاك.
تظهر صور دالمان مدينة القدس وضواحيها قبل عام 1880
يشير المؤلّف أنَّ وصفه للقدس "يتّخذ أهمية خاصّة، لأنّه يجيء بعد عقدٍ شهِد كثيراً من الحوادث، خاصة الاستيطان اليهودي، لأنني استخدم فيه أسماء المواقع العربية التي كنتُ قد جمعتها. وسأقدّم هذه الأسماء بمقّدمة لا بدّ منها، أشرحُ فيها الألفاظ التي تقترن بأسماء المواقع العربية، كي يتمكّن القارئ من فهمها".
كما يبيّن بأن الصور التي التقطت قبل تطوّر ضواحي القدس ومدّ شبكة الطرق في محيطها، أي قبل عام 1880، تكتسب أهمية خاصة لأنّها الوحيدة التي تُظهر المنطقة في صورتها الطبيعية، والتي تمكّن دالمان من الحصول على مجموعة منها من مالكيها، واستكمالها بصور قديمة لـ"صندوق اكتشاف فلسطين"، وبأخرى مملوكة لشركة "ل. بونيفس" في بيروت، ومنها صورة للجهة الشمالية الشرقية من المدينة التقطها روبرتسون كالو عام 1865 على جبل الزيتون.
إلى جانب صورة من الغرب للقدس وبركة مامَلَا بعدسة بونيفس تعود إلى عام 1875، في فترة سبقت بناء البيوت في طريق يافا والتي حجبت سور المدينة لاحقاً، وصورة في السنة نفسها التقطت لـ"صندوق اكتشاف فلسطين" وتطلّ على التلة الشمالية في اتجاه سلسلة جبل الزيتون، بينما تحتوي الصور التي التقطها دالمان نفسه في العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي، معالم مثل قبة الصخرة والعيزرية وأبو ديس وطريق أريحا وسكّة الحديد ووادي الصرار وكنيسة الصعود ووادي الجوز وباب يافا وباب المغاربة والقنوات المائية في المدينة وغيرها.
الكتاب ثمرة عمل متواصل استمرّ ثلاثين عاماً من البحث
في تقديم الكتاب، يوضّح الكاتب صخر أبو فخر بأنَّ الكتاب هو "ثمرة عمل متواصل استمرّ ثلاثين عاماً من البحث الدؤوب، وجاء مطابقاً لما آمن به غوستاف دالمان، وهو أن من غير الممكن معرفة القدس، وفلسطين بالطبع، من خلال الكتب والمراجع والبقايا الميّتة وحدها، بل من خلال دراسة الثقافة المادية الحيّة التي برحت مستمرة منذ عهود عتيقة حتى اليوم...".
ويضيف "نتمكّن من أن نعيد بناء المشهد الطبيعي للقدس استناداً إلى الطوبوغرافيا وإلى البقايا الأثرية، فضلاً عن نصوص الأناجيل وحكايات العهد القديم والمقارنات اللغوية والتبادل الصوتي بين العبرية والآرامية – السريانية والعربية، وكثيراً ما أبدى تحفّظه عن صحة نصوص العهد القديم وتوابعه كالتلمود أو المدراش".
ويلفت إلى أنَّ دالمان الذي دعا إلى العودة للمصادر السريانية، إلّا أن هناك تحفظات على محتوى كتابه باستعمال نصوص التوراة والتي كانت ممكنة قبل نحو قرن حيث علم الآثار الجديد كان لا يزال يحبو، وإلى ثقافته الأوروبية أيضاً، لذلك تمّت معالجتها في النسخة العربية من الكتاب بوضوح شروحات وافية لها.