في أواخر عام 1911، ومع اشتداد التنافس الاستعماري الأوروبي على مكامن الثروات، أعلنت إيطاليا غزوها لولاية ليبيا العثمانية؛ مستعيدةً خطاباً قديماً عن "أحقيتها" بهذه المنطقة، في حين تولّت الصحافة الإيطالية تصوير الأمر على أنه مجرّد "نزهة عسكرية".
لم تهدأ المقاومة الشعبية للاحتلال، ولكنّ السنوات ما بين 1929 و1934، والتي بلغت فيها آلة القمع والإبادة الإيطالية ذروتها، كانت الأكثر دموية في تاريخ الاحتلال؛ وحسبُنا هنا أن نذكّر بأنّ إعدام أحد أبرز قادة التحرّر الوطني في القرن العشرين، عمر المُختار، قد وقع خلال تلك المرحلة (15 أيلول/ سبتمبر 1931).
"الإبادة الجماعية في ليبيا: الشرّ، تاريخ استعماري مخفي" عنوان كتاب الباحث الليبي علي عبد اللطيف حميدة (1953)، والصادرة ترجمتُه حديثاً عن "مجمع ليبيا للدراسات المتقدّمة" و"مؤسسة كلام للبحوث والإعلام"، بتوقيع المترجِم محمد زاهي بشير المغيربي.
يستعيد الكِتاب عمليات الإبادة في ليبيا من خلال المعتقلات الإيطالية الفاشية، وقد أُطلِق على تلك السنوات اسم "سنوات الشر". كذلك يبني الباحث مادّته من خلال جمع الشهادات الشفهية للناجين الليبيين، وربطها بقراءة مُقارِنة مع الدراسات الاستعمارية ودراسات الإبادة الجماعية.
يحضر التاريخ الشفوي في منهجية الكتاب بشكل كبير، بوصفه سجلّاً لأدق التفاصيل. ومن بين مصادر التاريخ الشفوي الشعر الشعبي كقصيدة "ما بي مرض غير دار العقيلة"، والتي تصف بدقّة ما حصل في "معسكر العقيلة"، غرب مدينة أجدابيا، أو عبر القصص المتوارثة ممّن عايشوا الأحداث.
وحسب المؤلّف، فإنّ إعداد الكتاب استغرقَ عقدين من الزمن حتى استوى على هذا الشكل النهائي، حيث بدأ بعمليات المَسح الأولية عام 2000. ومن أهم عقبات البحث التي يُشير إليها هي عدم إتاحة الأرشيف الإيطالي لوثائقه أمام الباحثين والأكاديميين. بعد تلك المرحلة توجّه إلى الشرق الليبي، وهناك أجرى أكثر من 220 مقابلة، ثم قادته العملية البحثية إلى اكتشاف آلاف المقابر الجماعية، واجداً نفسه أمام "حرب إبادة".
يُشار إلى أنّ لعلي عبد اللطيف حميدة دراسات أُخرى حول الحقبة الاستعمارية في ليبيا، من بينها: "المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا" (1994)، و"الأصوات المهمّشة: الخضوع والعصيان في ليبيا أثناء الاستعمار وبعده" (2005)، و"جسور عبر الصحراء: التأثير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لطرق تجارة القوافل عبر الصحراء" (2009).