عبد السلام المسدّي.. أسئلة المثقف والحداثة العربية

04 فبراير 2021
(مقطع من عمل للفنانة العراقية هناء مال الله)
+ الخط -

صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "آليات الفكر وسؤال السياسة في تجلّيات الحداثة العربيّة" للباحث التونسي في اللسانيات عبد السلام المسدّي الذي يقارب وظيفة المثقف ومدى التزامه قضايا المجتمع أو مدى انحيازه إلى السلطة التي تسيره، وفرضية بقاء المثقف على الحياد باجتناب الإصداح بموقفه حول علاقة الحاكم بالمحكوم، مؤكدًا أن ذاك الحياد ينفي صفة المثقف عن أي باحث أكاديمي، أو عالم متخصص، أو أديب مبدِع.

في الفصل الأول "المثقف والسلطة"، يقول المسدي إن هناك المثقف الذي تنتفع به السلطة ويظل المجتمع معترِفًا له بأنه مثقف، وهناك المثقف المحسوب على السلطة والذي ينقسم المجتمع في أمره؛ بعض الناس يصغون إليه وبعضهم يديرون عنه الرأس.

يتناول الفصل الثاني "الذاكرة الكليمة" الكتابة التي زمنها غير زمن ما تتضمنه، ومسألة نشأة الظالم، والجدل النظري الذي أفضى إلى تأسيس نظرية المستبد العادل، ويقول المسدي في الفصل الثالث "بشائر الوعي الجديد"، إن "المعرفة منهج قبل أن تكون تحصيلًا، والمعرفة أن تعرف كيف تسُوس المعلومات، وما العلم إلا سياسة محاصيل المخزون المعرفي، فهو تدبير وبناء لا نقل ولا حكاية ولا ترديد، ولا هو رجعٌ لأصداء الذاكرة".

وفي الفصل الرابع، "براءة التأويل"، يرى المؤلف أن مأساة المثقف حين يستيقظ من غفلته، وإذا بكوابيس الحلم المزعج حقيقة واقعة: الاستبداد ولا شيء سواه، ويرى رأيَ العين الجينات الدموية التي تفرخ في خلايا الحاكم المُستوحِد، تنمو وتتعاظم، ثم تتكاثر تكاثرًا مهولًا حتى تُحوّل الإرادة السلطانية إلى ماردٍ إذا تحرك على الأرض سَوى بها ما عليها.

يقارب الكتاب وظيفة المثقف ومدى التزامه قضايا المجتمع أو مدى انحيازه إلى السلطة

كما يرى في الفصل الخامس "السياسة والفكر النقضي"، بأن سلطة الخطأ في الإنجاز الفكري وفي الإنتاج المعرفي وفي التدبر الثقافي؛ لأن الخطأ، الذي هو استراتيجي بالضرورة، غلابٌ قاهر، وسلطته متجددة بذاتها، سواء اتصل بفعل القرار أو جالَ في حقل الخطاب.

وفي الفصل السادس "إكراهات السياسة"، يجد المسدي أن في العالم النامي، كانت الثقافة دومًا هي كبشَ الفداء عند حصول أدنى ضائقة اقتصادية، "وشيئًا فشيئًا تحولت الثقافة إلى كبش الفداء عند أولى مفارقات السياسة الدولية".

يرى المؤلف في الفصل السابع "في الحرية والمسؤولية"، أن الفكر الحر يزدهر في دائرة الحوار بين الشأن الثقافي والشأن السياسي، والحرية في هذا التقاطع الدقيق متحددة بغياب التسخير الحزبي، وشأن الفكر النقدي ألا يأتمر بأوامر الحزبية، وألا يكون خادمًا للمذهبية الأيديولوجية.

وفي الفصل الثامن "العقل الثقافي"، يتناول المسدي مفهوم المسؤولية الذي يستمد أصوله التكوينية من المنبع الروحاني الذي قيدته الأديان بثنائية الثواب والعقاب المنصهرَيْن في مفهوم الجزاء، ويحاجّ في الفصل التاسع "الميثاق المدني"، بأن من أمانة المثقف في أمتنا العربية: أن يتابع الحدث السياسي ثم يضعه تحت عدسات الفكر النقدي، ناشدًا أن يُؤديَ أمانته من حيث هو مثقف: ملتزمٌ، عضوي، نقدي.

غلاف الكتاب

ويقول في الفصل العاشر "التفسير والتأويل"، إن "عبارة ’الفكر العربي‘ تحدد المُنتجَ الفكري الذي صيغ باللغة العربية، سواء أكان صائغوه عربًا أقحاحًا أم كانوا من الشعوب الأخرى التي انصهرت ضمن دائرة الانتماء الحضاري الجديد، فكان ميثاق انتمائها هو الانخراط اللغوي، وما من ارتياب أن ذاك المحرك الخفي يظل نشيطًا متحفزًا ليدفع ثنائية الأنا والآخر كي تغادر جُحْرها، حيث تحتل فضاءَ اللاوعي متوارية متربصة".

وفي الفصل الحادي عشر "الجواهر والأعراض"، يتناول المؤلف الحداثة، بينما يقدّم في الفصل الثاني عشر "السياسة وفتنة اللغة" الخطاب بمنظوره الفلسفي، ويتساءل في الفصل الثالث عشر "في مسؤولية الثقافة" كيف تواجه المعرفة - من حيث هي علم خالص- الواقعَ الإنساني الجديد في تشكّله الأممي على الواجهة السياسية، وفي تكيّفه العالمي على الخريطة الاقتصادية، وفي تلبّسه الكوني على الشاشة الفكرية.

ويناقش في الفصل الرابع عشر "كتابة السيرة ومأزق اللغة" كتابة السيرة الذاتية بوصقها استكشاف الكاتب نفسه من خلال البيئة الاجتماعية التي تلازمه في شتى مراحل حياته، أو مساءلة العالَم المحيط به من خلال إحساسه بكينونته الوجودية.

وفي الفصل الخامس عشر "اللغة العربية واللسانيات"، يقول المسدي إن الذاكرة تطل علينا وكأنها قيّمة على تدوين رحلة العلم بما يُصاهِرُ التاريخ بالجغرافيا في غير ما تفاضل إبستيمي، وما من تحديث احتضنته الثقافة العربية إلا عَرَف في بداياته أوجاعًا كأوجاع المخاض التي تسبق الوضع.

أما في الفصل السادس عشر "العرب وأفق الحداثة"، فيرى المؤلف أن لا سبيل إلى كتابة تاريخ الحداثة العربية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية إلا بإقامة جسر متحرك بين العلم اللغوي وعلم الخطاب، من حيث هو شامل علمَ الشعر وعلمَ فنون النثر وعلم النص بصفة عامة.

لا ينفك المؤلّف في الفصل السابع عشر، "السيرة الذاتية بين الحقائق والتمثّلات" يردّد أن فضل المؤسسة على المثقف العربي أقوَى مَددًا وأوسَعُ إشعاعًا من فضل المثقفين حين يظلون أفرادًا؛ "كل فرد منهم واثق بذاته وُثوقًا تامًّا، لكن المؤسسة الثقافية وزنُها بوزن مَن عليها.

وفي الفصل الثامن عشر والأخير، "السيرة والمخيال السردي"، يقول المسدي إن كتابة السيرة الذاتية عسيرة وشاقة، "وأعسرُ منها وأشق عكوف الناقد على أدب السيرة، لكن الأمرَّ والأضنى أن يتوسّل المثقّف بأدب السيَر لينسج سيرته الفكرية الخاصة من خلال سِيَر الآخرين، مغامرًا بركوب المطايا غير الآمنة، أفلا أكون يا قارئي قد وُفّقتُ في إقناعك بهذا وقد بالغت في تكراره؟".

 

المساهمون