على مدار اليومين الماضيين، تفاعل مثقفون وكتّاب عرب مع منشور الكاتبة الإماراتية ظبية خميس، الذي أعلنت فيه منعها من السفر بتاريخ 26 من الشهر الجاري، في مطار دبي، حيث كانت متوجّهة إلى القاهرة، وأعلنت أن الأسباب لا بد وأن تكون مرتبطة بموقفها الرافض لتطبيع بلدها الإمارات وتوقيع اتفاقية السلام مع الكيان الإسرائيلي.
بعد ذلك، أعلنت الكاتبة أيضاً أن "فيسبوك يحاول إيقاف تعليقاتي"، وكانت خميس قد كشفت عن قلقها على حياتها، قائلة "أخشى على حريتي وحياتي من التهديد والإعتقال. بلاغ لمنظمات حقوق الإنسان. برجاء إيصال الرسالة إلى المنظمات عبر الجميع وفي أي مكان وأحمّل حكومة الإمارات كامل المسؤولية عن أي قمع أو اعتقال أو إغتيال أو تصفية أتعرض إليها".
خميس (1958) إلى الآن لم تعلن أي جديد أو تطورات، لكنها ذكرتنا بما حدث لها عام 1987، حين اعتقلت انفرادياً بسبب مقال كتبته ونشرته في "المجلة"، وكان بعنوان "مقبرة النخيل"، وكان هذا الاعتقال الرهيب سبباً في مغادرتها البلاد لثلاثين عاماً، ولم تعد إليها إلا منذ سنتين.
هذه الروح والقلم المدرّب على الاحتجاج والمعارضة من منظور نقدي، هي نتيجة انخراط مبكر في السياسي والثقافي على المستوى العربي، ودراسة وترحال وتبنٍ لموقف لم يتبدّل وواضح لا التباس فيه. كانت خميس دائماً مع المقاومة وضدّ التطبيع بكلّ أشكاله، وكانت تخوض دائماً في مسألة علاقة السلطة بالمثقف وتعقيداتها.
هذه الروح والقلم المدرب على الاحتجاج والمعارضة من منظور نقدي، هي نتيجة انخراط مبكر في السياسي والثقافي
وعند إعلان الإمارات عن اتفاقية السلام مع إسرائيل، في آب/ أغسطس الماضي، كتبت خميس عبر صفحتها على فيسبوك "بعد قرار دولة الإمارات تطبيع علاقتها رسمياً مع العدو الصهيوني، سأنتهز الفرصة للتأكيد على رفضي ترشيح روايتي الجديدة التي ستصدر قريباً، للبوكر أو لأي جائزة خليجية أخرى، مع الإشارة إلى أنني لم أشارك في السابق، بأي جائزة غير البوكر.. وإني ككاتبة ومواطنة إماراتية عربية أكره إسرائيل والصهيونية كما كره اليهود هتلر والنازية والإيطاليون موسوليني والفاشية والأسبان فرانكو والديكتاتورية، ولا أرى فرقاً في العنصرية بين الصهيونية والنازية وكلهم ضد الإنسانية!" وأضافت خميس "فلسطين قضية وانتماء هي تاريخ وذاكرة ولغة وثقافة، فإذا غيّب ذلك غاب الانتماء، ويمكن للإنسان أن يتماثل تماماً مع عدوه دون حروب لأنه سيحارب للعدو حربه ضد نفسه".
لطالما كانت أشعار وكتابات وروايات صاحبة "باب البيت" احتجاجية ومعارضة وغير متردّدة في قول ما تريد قوله، لمسنا ذلك مثلاً في كتابها "منفى جامعة الدول العربية" (منشورات الريس)، حيث كشفت المفوضة السابقة في جامعة الدول العربية، قصة عملها في الجامعة والصعوبات والخذلانات والمشاكل والمواجهات التي أحالتها إلى عقوبات إلى أن وصل الأمر للتهديدات ثم للتعسف تجاهها والطرد.
السياسة لعبت دوراً كبيراً في انعكاسها على شعري من ذلك التمرد الذي بدأ في كتابي الأول
كشفت خميس واقع المرأة المثقفة الموظفة المقموعة في مؤسسة بضخامة الجامعة، ومنها بنت فهمها لطبيعة علاقة المثقف بمؤسسات من هذا النوع، وضمنت كتابها أسماء ووثائق وأحداث مفصلة بأسماء المشاركين فيها وتاريخها، وتطرقت لقضايا شديدة الحساسية منها تمصير الجامعة إدارياً وسياسياً، وتقييد الموظفين النشطين، والفساد والكفاءات.
ولدت ظبية في الجميرا في دبي، وعاشت فترة من طفولتها في الدوحة، ثم عادت إلى حيّ الشيخ زايد في أبوظبي، حيث نشأت في بيت ريفي يحتضن مكتبة جدها، وشجعتها والدتها على القراءة والعلم، فكتبت أولى قصائدها وهي ابنة 12 عاماً ونشرتها في إحدى الصحف.
في عام 1975، أكملت سنواتها المدرسية بتفوق وحصلت على منحة للدراسة في "جامعة إنديانا"، فيها درست العلوم السياسية والأدب العربي، حيث عاشت في أميركا خمسة أعوام، وفي بريطانيا تابعت دراساتها العليا بـ"جامعة إكستر" ثم "جامعة لندن".
إثر التضييق عليها في الإمارات بسبب مقالاتها، انتقلت خميس للعيش في القاهرة عام 1989، وسكنت في المهندسين، أصدرت العديد من المجموعات الشعرية التي وضعتها مع أبرز شاعرات جيلها بالعربية وممن حملن أيضاً مسألة المرأة في أعمالها وكتاباتها. بدأت خميس مع مجموعة "خطوة فوق الأرض" عام 1981، و"الثنائية: أنا المرأة الأرض كل الضلوع"، و"السلطان يرجم إمرأة حبلى بالبحر"، و"انتحار هادئ جدًا"، و"جنة الجنرالات"، و"حجر الطريق" وغيرها.
في إحدى المقابلات معها، تقول خميس "كتبي تذكرني بمراحل حياتي المختلفة والتفاصيل ورؤية العالم والتأثر، وما كنت أبحث عنه أو يلاحقني في فترات تنوعت من حياتي.. ثم إن السياسة لعبت دوراً كبيراً في انعكاسها على شعري من ذلك التمرد الذي بدأ في كتابي الأول "خطوة فوق الأرض".