ضياء العزاوي.. أطلال التاريخ أم الحاضر؟

09 نوفمبر 2022
جانب من تجهيز العزاوي
+ الخط -

يعدّ "المعرض الدولي للفن المعاصر" الذي يقيمُه "متحف كارنيغي" في ولاية بنسلفانيا الأميركية، واحداً من أقدم التظاهرات الفنية في البلاد، حيثُ تعود دورتُه الأولى إلى عام 1895، والتي تأسّست على يد آندرو كارنيغي، الصناعي ذي الأصول الإسكتلندية.

ورغم أنّ التظاهرة لا تُعقد بانتظام سنوي، بل كل ثلاث أو أربع سنوات، إلّا أنها تستقطب أسماء بارزة من المشهد الفني العالمي، وقد وُقّعت فيها مساهمات مهمّة بيد كبار الفنانين، مثل السويسري ألبرتو جياكوميتي، والفرنسي الذي رحل مؤخّراً جان بيار سولاج، والألماني أنسيلم كيفر، وغيرهم كُثر.

تنتظم، هذه الأيام، الدورة الثامنة والخمسون من التظاهرة، والتي تحمل عنوان "هل هو صباحك الآن؟"P العبارة التي تحتمل تسبة من الشكّ والاحتمال، والمستوحاة من تراث المايا كبديل عن "صباح الخير" الحاسمة بأنّ الصباح قد حلّ فعلاً عند الجميع.

المعرض الذي تستمرّ فعالياتُه حتى الثاني من نيسان/ أبريل 2023، يجمع في هذه الدورة مزيجاً من المفاهيم والأساليب المتقاطعة، ليبقى التاريخ هو الموضوعة الأساسية. وفي هذا السياق يقدّم الفنان العراقي ضياء العزاوي (1939) عمله المُعنون بـ"أطلال مدينتين: الموصل وحلب"، وهو عبارة عن تجهيز ضخم ينهض بحمولة تاريخية تطلّبت 48 متراً مربّعاً من أرضية المتحف لافتراشها. 

يُجسّد العزاوي في عمله ثقل ما تعرّضت له المدينتان خلال العقد الأخير من حرب جرفت المعالم الحضَرية بقدر ما كرّست صورةً تطغى فيها الضحية المنتشلة من تحت الأنقاض، حيث لم يعُد من متنفّس لجسدٍ سحقته القذائف والجدران المحطّمة فوق رأسه.

أطلال مدينتين - القسم الثقافي
جانب من التجهيز

الضخامة هي توقيع العزاوي الأثير عبر مسيرته، ومن هذه الناحية لا ينفصل تجهيزه الراهن عمّا سبقه، مثل جداريته "صبرا وشاتيلا" التي لم تقارب الحدث في تفاصيله وحسب، بل في لحظته الزمنية أيضاً، إذ وقّعها خلال ستة شهور من تاريخ المجزرة الوحشية (1986). 

مثل تلك الوحشية تنتقل من قماش لوحة الماضي، إلى بوليستر التجهيز المعروض اليوم، لتنقل لنا ما عايشته المدينتان من عذابات أطبقت عليهما من كلّ النواحي، بالمعنى السياسي للكلمة، ليبقى القاسم المشترك بين التاريخ والحاضر هو مشهد القسوة المنفلتة، أو "حالة الاستثناء"، لو استعرنا من النظرية السياسية بعض مصطلحاتها، التي تحوّلت إلى ديمومة من الرعب المستبدّ.

الأرشيف
التحديثات الحية
المساهمون