تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع وجه جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "الساحة الثقافية أشبه بأرخبيل من الذّوات والمبادرات المتباعدة" يقول الكاتب التونسي في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟
- لا شكّ أنّ هناك كتابات جديدة تختلف باختلاف الكتّاب، اختلاف ظروفهم وراهنهم. بالنّسبة إليّ، أتطلّع إلى كتابة أكثر انفتاحاً على الفنون واللّغات والمعارف الإنسانيّة المتجدّدة، وأكثر تحرّراً من التابوهات ومن التسلّط. كتابة تكون أكثر صخباً وقسوة من الأزمنة التي تمضي بلا رجعة وهي ترفس بلا رحمة أحلاماً وآمالاً؛ كتابة أكثر لطفاً من الأمكنة التي تغيّرت وغيّرتنا. أرنو إلى كتابة أكثر رقّة وشاعريّة كلّما كان الحلم طريقاً من الطرق التي تسعى إلى تغيير واقع سيّئ. إذا كان لا بدّ من كتابة جديدة، فعليها أن تشبه تعدُّد طرق ابتكار الواقع وقراءته. على الكتابة الجديدة أن تشبه الكتّاب الجدد في تعدّدهم وانشغالاتهم الفنيّة والفكريّة.
■ هل تشعر بأنّك جزء من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟
- لا شعور لي بالانتماء إلى جيل أدبيّ محدّد، فأنا مَدينٌ للعديدين من أجيال كثيرة من ثقافات مختلفة. مَدين لنيتشه وماركس وداروين وابن خلدون والمعتزلة وابن رشد وغونتر غراس وسلمان رشدي ونجيب محفوظ وعلي الدوعاجي ومنيف وفلّيني وغودار وبرال وبراسانس ونيرودا وبودلير وسعدي يوسف والماغوط ونجم. مَدين كذلك لخرافات عمّتي وقصص أمّي وللمجلات والكتب التي كان يشتريها أبي ثمّ أخي. مَدينٌ أيضاً لدراستي وللتجربة التي عشتها مع صديقات وأصدقاء ونحن نبحث، نكتب، ونصوّر.
■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
- لستُ في قطيعة مع أيّ جيل؛ أعود متى شاء لي بحثي في ثيمة معيّنة إلى أعمال من القرن الأوّل بعد الميلاد أو إلى العصور الوسطى، كما قد أنصرف عن كلّ الأجيال والأصدقاء لأصنع طريقاً لي وحدي متى تطلّب ذلك العملُ الذي أنجزه.
■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟
- إذا ما بدأنا في توصيف السّاحة الثقافية التونسيّة، يمكن أن نعتبر أنّها أشبه بأرخبيل من الذّوات والمبادرات المتباعدة والتي لا تساهم إلّا في جعل العمل الثقافي أشبه بالعمل فوق أرضٍ لزجة. لا أفهم شخصيّاً إن كانت تلك الأرض صلعة متعرّقة لوطن نُتف شعره تطلّباً واستنزافاً أو كانت تربة ثريّة ستصنع لنا وللأجيال المقبلة مستَقَرّاً بعد تناحر. هناك لحسن الحظّ العديد من الأشياء الجميلة التي تحدث، لكنّ ما يثير امتعاضي حقيقةً هو قلّة الحرفيّة في التعامل مع المبدعين وأكثر من ذلك النظرة الدونيّة للمؤلّف وللفاعل الثقافي.
■ كيف صدر كتابك الأول؟
- أصدرت كتابي الأوّل بعد 2011، وأنا مدين للثورة التونسيّة التي بفضلها استطعت أن أنشر في العلن بعضاً ممّا كتبتُ قبلها. اخترتُ في ذلك بعض القصص القصيرة التي كتبها منذ سنّ السّابعة عشرة، والتي حاولتُ أن أتجاوز من خلالها بعض العتبات التركيبيّة والتابوهات الاجتماعيّة والسياسّية.
■ أين تنشر؟
- نشرت في "دار زينب"، الدّار التي قمتُ بدعمها مشروعاً ومؤسّسة. أودّ بالمناسبة أن أشكر مجدي بن عيسى وكلّ العاملين في هذه المؤسّسة. أتمنّى لهم كلّ التّوفيق في هذه الظروف الصّعبة التي يمرّ بها قطاع النشر.
■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
- في الإعداد لمشروع أدبيّ أحتاج لقراءات محدّدة ولمراجع دون غيرها، لذلك تكون قراءاتي عادة ًمخطّطة ومنهجيّة. أحتاج أيضاً لقراءة نصوص بصفة عشوائيّة، فأنا أتطلّع دائماً إلى الإجابة عن أسئلة مثل: كيف تُروى هذه الحكاية؟ وما هي الأسئلة التي تختفي خلفها؟
■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟
- أقرأ بالفرنسيّة وبدرجة أقلّ بالإنكليزيّة.
■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تكون كاتباً مترجماً؟
- الترجمة ضرورة حضاريّة قصوى، خاصّةً في هذا الزمن الذي بدأ يشهد مزيداً من رفض كلّ ما هو خارج حدود مرسومة سلفاً. أتمنّى أن تنال أعمالي وأعمال الكثير من المؤلّفين التونسييّن نصيبها من الترجمة والقراءة.
■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟
- لديّ مشروعان روائيّان أرجو أن أجد لهما الوقت والمساندة من أجل إنهائهما في وقت أقصر من الوقت الذي قضيته في كتابة الرواية الأولى.
بطاقة
كاتب تونسي مقيم في مدينة أورليان الفرنسية. درس التاريخ في "جامعة تونس" ثم في "السوربون"، واشتغل أستاذاً في معاهد تونسيّة وفرنسيّة. أصدر مجموعة قصصيّة بعنوان "ظل شيطان خلف صورتي" (2013) ورواية "زندالي" (2020) التي نالت "جائزة الاتحاد الأوروبي للأدب" سنة 2021.