يعدّ الإمام أبو القاسم الجنيد البغدادي (215 - 298 هـ) أحد أبرز الفقهاء والشعراء المتصوّفة، وقد سعى في تنظيراته ومؤلّفاته العديدة إلى التوفيق بين الحقيقة والشريعة، خلافاً للعديد من متصوفي عصره الذين اعتبرت طروحاتهم متطرّفة في شطحاتها وأفكارها.
وقد ألّف عشرات الكتب منها "القصد إلى الله"، و"السر في أنفاس الصوفية"، و"دواء الأرواح"، و"دواء التفريط"، و"أدب المفتقر إلى الله"، و"الفرق بين الإخلاص والصدق"، و"كتاب الفناء"، و"كتاب الميثاق"، و"في الألوهية"، و"النظر الصحيح إلى الدنيا"، و"رأي الجنيد في الذكر الخفي"، إلى جانب رسائله إلى العديد من العلماء.
صدر حديثاً عن "دار القرويين" كتاب "شرْحُ رَائِيَّةِ الجُنَيْدِ في التصوف" للشيخ أبي العباس أحمد التجاني (1150 هـ – 1230 هـ/1815م)، الذي يتضمّن شرح مؤسس الطريقة التجانية للقصيدة التي كتبها الإمام الجنيد، ووضع فيها خلاصة فكره وتجربته، في نسخة قام بتحقيقها وضبطها والتعليق عليها والتقديم لها الباحث والشاعر المغربي أحمد بلحاج آية وارهام.
يشير تقديم الكتاب إلى أن الأبيات التالية للجنيد أثارت أسئلة عميقة في الأوساط الفقهية والصوفية منذ قالها إلى الآن؛ وهي: تَطَهَّرْ بِمَاءِ اٌلْغَيْبِ إِنْ كُنْتَ ذَا سِرِّ/ وَإِلاَّ تَيَمَّمْ بِاٌلصَّعِيدِ وَباٌلصَّخْرِ/ وَقَدِّمْ إِمَامًا كُنْتَ أَنْتَ إِمَامَــهُ/ وَصَلِّ صَلاَةَ اٌلْفَجْرِ فِي أَوَّلِ اٌلْعَصْرِ/ فَهَذِي صَلاَةُ اٌلْعَارِفِينَ بِرَبِّهِمْ/ فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَاُنْضَحِ اٌلْبَرَّ بِاٌلْبَحْرِ.
كما يوضّح المؤلف: "ولقد تناولنا هذه الرائية بالشرح والتحقيق، وضبطنا النص في المواطن التي خِلنا أنها تستوجب الضبط، ورقمناه، وخرَّجنا آياته وأحاديثه، ووضعنا عليه تعليقاتٍ قاصدين بها توسيع أفق القارئ العادي الذي لم يتمرَّس بهذا النوع من الخطاب ".
ويقف الكتاب عند آثار الجنيد الذي اختصر التصوف وقال إنه اسم جامع لعشرة معانٍ؛ هي "التقلل من كل شيء من الدنيا عن التكاثر فيها، واعتماد القلب على الله عز وجل من السكون إلى الأسباب، والرغبة في الطاقات من التطوع في وجود العافية، والصبر عن فقد الدنيا عن الخروج للمسألة، والتميز في الأخذ عند وجود الشيء، والشغل بالله عن سائر الأشغال، والذكر الخفي عن جميع الأذكار، وتحقيق الإخلاص في دخول الوسوسة، واليقين في دخول الشك ، والشكوى إلى الله من الوحشة".