شارل سينار.. الأبيقورية بعيداً عن الاختزال

24 اغسطس 2022
فلاسفة يونانيون في عمل فسيفسائي في "متحف الآثار الوطني" بنابولي، إيطاليا (Getty)
+ الخط -

ثمّة مدارس وتوجّهات فلسفية تصل إلى درجةٍ من الشهرة والحظوة، لدى الجمهور الواسع، إلى حدّ أنها تُختصر، مع الوقت، في فكرة أو مقولة واحدة، وهي مقولة اختزالية بالضرورة، باعتبار أنها تنحّي جانباً القسم الأكبر من التفاصيل والمعطيات التي تخصّ هذا التيّار الفكري أو ذاك.

ينطبق هذا الأمر، بشكل كبير، على الأبيقورية، تلك المدرسة الفلسفية التي تُنسَب إلى الفيلسوف اليوناني أبيقور، الذي عاش بين القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، حيث تُختصر فلسفته، وفلسفة تابعيه، في صورة مسبقة تتمثّل بالركض وراء الملذّات بحثاً عن السعادة التي تؤمّنها فكرةُ عيش اللحظة.

فكرةٌ كهذه هي ما يحاول تجاوزه الباحث الفرنسي المختصّ بالفلسفات اليونانية واللاتينية، شارل سينار، في كتابه "أن تعيش يومك: مدخل مقتضَب إلى الحِكمة الأبيقورية"، الصادر قبل أيام لدى منشورات "لي بل ليتر" (الآداب الجميلة) في باريس.

في تسعة فصول يسبقها تمهيدٌ، يسعى المؤلّف إلى إعطاء صورة أكثر اتساعاً عن اشتغالات الأبيقوريين، حيث يبدأ من تقويض الفكرة القائلة بأن فكرهم يقوم على البحث عن المتعة فحسب، فاتحاً الباب على نقاش أوسع يأخذ بعين الاعتبار نظرتهم إلى مسألة الموت، على سبيل المثال، أو إلى قضية الحرّية.

الصورة
س

ويذكّر سينار بأن مذهب أبيقور كان، منذ الأساس، مشغولاً بالعديد من القضايا، التي من شأنها أن تقود الإنسان إلى السعادة باعتبارها الغاية القصوى؛ ولا تحضر اللذّة في مقدّمة هذه القضايا، بل البحث عن الأمان والطمأنينة، والتحرّر من المخاوف والآلام.

ويكشف المؤلّف كيف أن نظرةً متمهّلة إلى الأبيقورية تُساعد في إخراجها من موقع التضاد مع مدارس فلسفية مثل الرواقية؛ فالأبيقورية، مثلها مثل الرواقية، تحضّ الإنسان على الاحتمال (احتمال العيش وآلامه ومخاوفه) وعلى الالتذاذ، وليس فقط على الالتذاذ والانشغال بالآنيّ.

كما يخصّص سينار فصولاً للكشف عن جوانب غير شائعة من فلسفة أبيقور، وتابعيه اللاتينيين، مثل دور الشعر، واللغة الجميلة بشكل عام، إضافة إلى دور الصداقة، في الوصول إلى السعادة.

المساهمون