لَعَلّي كُنتُ في السّابعةِ والعِشرين
حينَ أَقمتُ في "دار عبد اللَّطيف"
الرابضةِ في مُنْتَصَفِ الجَبَلِ
بين البَحْرِ و"صَرْحِ الشَّهيد"...
دارَتانِ صَغيرتان بِجانِبِ القَصْرِ شَغَلْتُ واحِدةً مِنْهُما،
أَيُّ شَجَنٍ كانَ يَضْرِبُ مِثْلَ النَّسيم
وأَيُّ زَخارِفَ أَندلُسِيَّةٍ عَرَّقَتْها اليَدُ الثقيلةُ للعهد العثماني
وأَيُّ صَرَخاتٍ تَجَمَّدَتْ في الزَّمَنِ مِثْلَ التّماثيل
أَراها مَشْبوحَةً في حُجراتِ القَصْرِ
حينَ أَذْرَعُهُ ليلاً بَعْدَ أَنْ يُغادِرَ الإِداريّونَ مَكاتِبَهُم.
في الزَّمَنِ الاستعماريّ كانت دار عبد اللَّطيف سِجْناً عُذِّبَ فيها المُجاهدون.
قلتُ: وما زالوا يُعَذَّبون.
أَمّا أَنا فَسَجينٌ مَتروكٌ باسْمِ ضَيْف.
أَيكونُ ضَيْف النّاسِ إِلّا أَسيرَ مَحَبَّتِهِم؟
وأَقولُ لنَفْسي: كيفَ أَحْلَلْتَ شُعوبَاً مَكانَ الآلِهة
وكيف تَصْمِدُ أَمامَ مَذْبَحَةٍ وتَنْهارُ أَمامَ أُغنية
وكيف تَسْتَهدي عليكَ المُغنيةُ الوَهرانِيّة
أَيْنَما اختبأتَ في الأَرض
تَضْرِبُ عليكَ البابَ بِعُرَبِ صَوتِها
كأنّكَ ما زِلْتَ مُقيماً
في دارِ عبدِ اللَّطيف.