يُعرَف الفيلسوف الأميركي ستانلي كافل (1926 ـ 2018) كواحد من أبرز المفكّرين المعاصرين الذين اشتغلوا في مُساءلة السينما من وجهة نظر مفهومية. وإن كان "انفتاحٌ" فلسفيّ كهذا أمراً شائعاً في ما يُعرَف بالفلسفة القارّية، الأوروبية (لنتذكّر أعمال جيل دولوز المبكّرة في هذا المجال)، فإنّ كافل قد يكون الفيلسوف التحليلي الوحيد، من بين أبناء جيله على الأقل، الذي يأخذ على محمل الجدّ عالماً فنياً من خارج الإطار الفلسفي.
لكنّ الناظر إلى مسيرة واشتغالات الفيلسوف الأميركي ذي الأصول الإيطالية سيكتشف أن حواره مع الحقول الفنية، والإبداعية بشكل عام، يتجاوز عالم الفنّ السابع، حيث تضمّ مكتبة منشوراته عناوينَ في الأدب (عملٌ عن كتاب هنري ديفيد ثورو، "والدن") وكذلك حول المسرح، إضافة إلى كتابات متفرّقة عن الموسيقى التي يتقنها عزفاً، كما حاز فيها إجازةً جامعية من "بيركلي" في سان فرانسيسكو.
من بين أعماله حول المسرح، صدرت يوم أمس، لدى منشورات "أون" في باريس، النسخة الفرنسية لكتابه "إنكار المعرفة: عن سبع مسرحيات لشكسبير"، بتوقيع المترجم جان بيير ماكرلو، وهو عملٌ صدر للمرة الأولى بالإنكليزية عام 1987 لدى "منشورات كامبردج الجامعية".
يتناول صاحب "مُدن الكلمات" مسألة الشكّ في المسرح الشكسبيري، حيث ينطلق من تعيين حضور هذا الشكّ، بأشكال مختلفة، في مجمل المدوّنة الشكسبيرية، من الشكّ في مفهوم العائلة والحبّ بين أفرادها (الملك لير)، إلى الشكّ في الوفاء بين المحبَّيْن (عُطيل)، وفي أخلاقية القتْل (ماكبث)، وفي الثأر (هاملت)، وطبيعة السُّلطة والعلاقات الاجتماعية (كوريولان)، ومعنى الإمبراطوريات (أنطوان وكليوباترا).
انطلاقاً من قراءةٍ في هذه الأعمال، يُدافع كافل عن الفكرة القائلة بأنّ الشكّ عند المسرحيّ والشاعر الإنكليزي يأخذ شكل إنكارٍ للمعرفة؛ إنكار يشبه القناع الذي يتخبّأ وراءه عدم قدرتنا على الاعتراف بالآخر ووجوده. قراءةٌ يُخرجِها من إطارها المسرحيّ ليرفعها إلى مصافّ المفهوم؛ مفهوم يرى أنه يستحقّ النقد والتجاوز، ويقترح العودةَ إلى اللغة اليومية ـ التي يدافع عنها اليوم تيّارٌ فلسفي بأكمله ـ لتجاوُزه، باعتبارها قادرةً على الحيلولة دون مأساة عدم الاعتراف بالآخر، ومأساة قتْله، رمزياً أو بشكل مباشر.