رحل، اليوم الأحد، الشاعر والنحّات المصري سامي الغباشي (1968 - 2023) في القاهرة، تاركاً عدّة مجموعات شعرية تنتمي في معظمها إلى قصيدة التفعيلة، بالإضافة إلى أعمال تستند إلى رؤية معاصرة للفنون الحرفية التقليدية.
وُلد الراحل في إحدى قرى الدلتا بالقرب من مدينة دمياط، وحاز على دبلوم الدراسات الحرّة في الفنون الجميلة، متخصصاً في النحت على الخشب، وبدأ نشر نصوصه الأولى في الصحافة المصرية والعربية مطلع تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى مقالاته حول بعض التجارب الشعرية، وكذلك حول فن النحت ضمن سلسلة سمّاها "ذاكرة الأزميل".
كتب الغباشي القصيدة العمودية والتفعيلة، خلافاً لمعظم مجايليه الذي اتجهوا إلى قصيدة النثر، وأصدر مجموعته الأُولى تحت عنوان "فوق ذاكرة الرصيف" عام 1991، حيث يقول في مقابلة صحافية سابقة: "كتبتُ قصائدي الأُولى داخل الإطار العروضي الذي يعتمد على التفعيلة كوحدة موسيقية، وداخل النسق اللغوي الذي يحتفي بالبلاغة التقليدية"، موضّحاً أنه بعد ذلك بدأَت "كتابة أُخرى" تتسلّل إلى قصيدته، وبدأ تدريجياً يتخفّف من اللغة اليقينية المثقلة بالمجاز، لصالح لغة أكثر التصاقاً بكل ما هو بسيط وصادق.
نشر نصوصه الأُولى في الصحافة المصرية والعربية مطلع تسعينيات القرن الماضي
أصدر الغباشي عدداً من المجموعات الشعرية؛ منها: "فضاء لها ومسافة لي" (1995)، و"تسميهم أصدقاء" (2002)، و"رصيف يصلح لقضاء الليل" (2006)، و"قلب على طاولة" (2016)، و"عند حافّة الكراهية" (2020).
أمّا تجربته الفنية، فاستندت إلى تعلّمه في سنّ مبكرة فن الأويما، أحد أبرز الفنون الشعبية التي تقوم على تشكيل الخشب والحفر عليه، في أعمال النجارة التقليدية والديكور والمشغولات اليدوية، لكنّ دراسته النحت بعد عام 2011، واطلاعه على تجارب أوروبية وعربية ومعاصرة، دفعاه إلى دمج عناصر من الحرف التقليدية في أعمال معاصرة.
إلى جانب ذلك، أقام الغباشي نحو خمس سنوات في دمشق، اطلع خلالها على فنون النقش على الخشب، التي تمتزج فيها مؤثّرات شرقية وأخرى غربية. وخلال تجربته الفنية في العقد الأخير، سعى إلى تكريس مفهوم "التحفجي" الذي يشير في التراث المصري، والإسلامي عموماً، إلى فئة من المبتكرين الذين يمتلكون رؤية جمالية لمهنهم الحرفية في صناعة الأثاث والتصميم الداخلي.
في قصيدته "خبر وفاة مفاجئ على الفيس بوك"، يقول سامي الغباشي:
عندما
ينتشر خبر وفاتك على الفيس بوك
ستجد حتى القتلة وحاملي الخناجر
يرفرفون حول اسمك وصفحتك كعصافير
وسيبحثون عن أيّ صورة معك
ليكتبوا فوقها
كم كنت جميلاً جدّاً
أيها الرجل الطيّب كسنبلة
حتى فتاتك التي تركتك في ظلمة الفقد
منذ ثلاثين عاماً
ستكتب على صفحتها (وداعاً يا توأم الروح)
والمرابي الذي لجأت إليه يوماً
لإنقاذ حياة ابنتك الوحيدة من الموت
واشترط ضعفين ليقرضك عاجلاً
سيقيم مأتماً في جلسته الأسبوعية
وسيرفع يديه عالياً إلى السماء ليدعو لك
وبالتأكيد لن يستجيب الله له،
عندما سينتشر خبر وفاتك على الفيس
ستبحث حبيباتك عن أيّ أسود محتشم
ليظهرن به في الندوات لمدّة أسبوع على الأقل
رغم أنّهن ساهمن في جلطاتك المتكرّرة
لكن للفقد غواية
وللموت سحر على القلوب
وحينها..
ستصبح جميلاً جدّاً
وطيّباً كسنبلة أساءوا لها
وأشعلوا القشّ بجوارها".