زمنٌ يلمع خلف الزجاج

02 فبراير 2021
مقطع من "البركة الزرقاء"، تعشيق على زجاج، لـ خواكيم مير
+ الخط -

حديقة التنويعات

بعد لم تصل حقيبة الأشياء الضائعة، العلبة الحريرية 
للأحذية البرمائية، أي التابوت الصغير ليدك. 

أعمى من ضوء الأيام الأخرى، تدير وجهك نحو المساء:
يترك الحلزون لعابه الشفاف على الصورة، 
كرسياً في بحر الأيام وجدار من الريح 
التي تدفع حافة الذكرى المتحوّلة الآن إلى رماد،

لم نكن أبدًا هناك، على ضفة تلك الحديقة، 
على حافة المسافات، على جفن ذلك الغرق الأبيض،
ونحن نحتفل بزفاف حيوانات النوستالجيا على عتبة الصقيع.
والآن نحدق مذهولين في الساعات مع الطفولة 
التي عشناها على شفاهنا،

هادئين، جد هادئين، نتكئُ على جدار الريح
قبل أن تختفي هذه الندفة من الأمس
الذي يشتعل في حدقة العين:
يشتعل العكاز للقَدَمِ التي لم تكن أبدا لنا، 
وفي تلك اللحظة لم نكن سوى ذلك، 
ومضة خوف في الريح.

*
شحرورٌ يعبر الحديقة،
يحمل في منقاره الأحمر شمعة زرقاء لأعوامنا، 
يحمل بين قفزة وتحليق، شظية جليد تحت لسانه السهم، 
قطرة شمع لتوديع مضاعف لعمرنا.

تعبر الندبة الحديقة باتجاه الماء، يشق السبيلُ الأيام 
ويترك قشرة لكتاب الأبجدية، قذى الأيام في النظارة الأُحادية للزمن 
المتأرجح على شجرة التين العذبة، بهلوان التيه لحبل الدليل إلى الآتي. 
وداعة مستحيلة للمرقب، وانقيادٌ عديم الجدوى 
لمن يربط للمرة الأولى حذاءه بشريط أسود 
من ذرات الحداد.

فلتكنِ السِّنُّ الراضعة التي تسحب مقبض الباب.
تأتي وتمضي خطوط كتابة الزمن، تأتي وتمضي.

الضوءُ بعيدٌ ولا يَهُمُّ،
بعيدةٌ فراشات النسيان تلك التي تُصْمِتُ ذاكرته،
بعيدٌ جذر الكلمة الذي يزهر في الأريج،
بعيدةٌ الملعقة بِتجويفها، وبِعُش خميرتها،
بعيدٌ الخبزُ الفطيرُ،
وبعيدة الذبالة والزيت وأسطورة الوعاء الحالكة بعمقها،
الحياة بعيدة ولا تَهُمُّ.

*

على الجانب الآخر من الحياة، على الجانب الآخر من الطفولة،
على الجانب الآخر من الحديقة.

كلهم مضوا ولم يتبقَّ سوى أن يعودوا.

تلُفُّ الأيام، تَلُفُّ تحت أشواك الثلج، تحت عصا 
قيادة الآتي غير الرحيمة،

فرضية ضوء في الظل، على الجانب الآخر 
من الرصيف، حيث يطوي الجناح حداده، 
حيث يخفي الكلب يدَكَ في شقوق الجدار وتعُضُّ السمكة 
على خيط الصنارة، التشابه الذي يخيط الفستان 
لأجل رحلة الأشياء الأخيرة، 
كبة الخيط اللامتقطعة، أساس الظليل في الظليل.

هبوبٌ، توهجٌ، والثلجُ.

اليوم، غداً، وأبداً، حينما البارحة والآن يكوِّنان اليوم ذاته في قلبكَ.

حينئذ، العودة، للوصول إلى المكان الذي تغرس فيه الندبة إرادتها 
الحميمة، نصٌّ ممحوٌّ حيث تجلسُ لتستمع إلى الأيام 
بينما العالم يلفُّ لمَّا يحلُّ الليل. هنا.


■ ■ ■


حياة أفضل

وسيكون الأمر سيّان لو كنا مخلّدين.
تضيء الواجهةُ مثل أضواء توهِج مستنقعي.
خلف الزجاج، الأيادي الصغيرة تُفتّتُ الصدأ؛
حقيبة، ومنديل، وحذاء، وحزام ثعبان زائف، 
ريش نعام للقبّعة التي لن يرتديها أحد بعد الآن.
هكذا يلمع الزمن خلف الزجاج، ثمرة متجمدة للأيام، 
وبريق معدني يتدلى من شجرة مقطوعة،
سمكة مشدودة إلى حبل الغسيل.

وسيكون الأمر هو نفسه لو نكون مخلدين.
أن ننظر إلى الواجهات، ذات السن في الأعلى، 
رباعية الأسنان في الأسفل،
أن نقيس سعة الخطو للتعثر،
للعودة عند منتصف النهار، للوصول عند المساء.

واجهة وبعدئذ أخرى، وفي الخلفية المحاسب وعدَّاد دموعه: 
أنمُرُّ أو لا نمُرُّ؟ أو نبقى هنا، نطحن الصدأ 
بمطحنة الشاي الصغيرة؟

لكن القفازات المصنوعة من جلد ظبي الجبل 
موضوعة على البيانو. دو ري مي، سرّاً، فا، سول، سول، 
مخمل ثابت في الإيقاع. لا، ليس ثمة قِرشٌ يستحق العناء. 
ليس ثمة حيوانُ ظِلٍ ولا ضوء في هذا التعداد للأحوال: 
هنا، هناك، الآن، حينئذ، ومتى.

سيكون الأمر سيان لو كنا مخلدين، 
إذن، الآن، اليوم، أو لن نكون قط.
الأمر أبسط بكثير. ليست مسألة أبراج، 
ليس لمعان الخشب المتحول إلى حوت، 
ليس حجراً رشيداً، ولا إسبرانتو المطر، 
وليس غناء حوريات البحر الذي يُتَهَجَّى 
في أخاديد السبّورة. الأمر أبسط بكثير.

حياة أفضل.
حياة بذاكرة فيل وعطش جمَل وعين وشق، وبوصلة غراب الماء، 
تضامن نملة، ودقة نحلة، حياة بوفاء طائر التم وبسمة القرد، 
ورقة بمزاج اليعسوب وجلد الفهد، حديث الغاب، وجَلال السلسلة الجبلية 
ودائماً الحكاية التي لا تنتهي.

درسٌ أوّل لم يُتَعَلَّم أبداً في كهوف افتح يا سمسم: الحياة هنا 
وليست هناك، والجميع يؤمن أننا سنكون مخلدين.
في الواجهة، يلمع صندوق الدفع، وصف ذيل صغير لعقرب، 
والحلقة الحاملة للفوطة وهي تجعلنا نعانق الطاولة.

حياة أفضل،
هنا، وهناك، على الجانب الآخر من الزجاج.
ولا يهم في شيء أن نكون مخلّدين.


■ ■ ■


معاهدة التدبير

ما تتسع له يد واحدة
حتى قبل ذلك، قبل أن يقيس الملحُ الزمنَ.
رؤوسُ النساء محلوقة في المقاومة
رأس الطائر الطنان، علامة، عظم، حجر على الطريق
إشارة لأجل السفر، عندما وحدها الطيور تعرف سر المعادن.

رؤوس النساء محلوقة مقابل مائة غرام من الأرزّ،
من أجل قطعتين من السكر، من أجل قسيمة رمزية حيث يقال
والمحلوق رؤوسهن لماذا نعم والمحلوق رؤوسهن لماذا لا.

ما تتسع له يد واحدة
البيسون وشظية للوصول إلى البيسون
المعيار المعدني الذي يصقل الخشب
والعالم كله في جزيء من المطر
في حين تحتوي قطرة واحدة الشكل الكامل للبرتقالة الزرقاء.

طفل يعبر النهر ويترك قطعة نقدية تسقط، والسن شديدة البياض 
سفر معكوس في اللذة الأولى للحداد
ما تتسع له يد واحدة
حين يكون للطحين لون الدخان.

رؤوس النساء محلوقة
التي تجلس لتموت والتي ينهض كل يوم لكي تحفر الخنادق
وحتى تغسل الثياب الداخلية للوصيفات
الغارسات المومسات لأزهار الليلك الميتة
اللواتي يزرن محلات الحلاقة صباحات أيام السبت.

وقاعة أكل الحيوان، وأول ثقب للقمح
والأخدود الذي ليس طريقًا ويقود إلى اللامكان
المجال الدقيق الذي يحبِسُ الجوع
ودرج في المطبخ لتخزين ما لا يجبُ أن تُنسى
معرفته
عباد الشمس، العجلة النجمية الأولى في خرائط الوعي
الهندسة المعمارية المرتجلة للثلج على ورقة من الشجرة
النفل ذو الاتجاهات الأربعة وقدره الحتمي الوحيد.
الجسر ليس للقطارات، لكنها تصلُ.

ما تتسع له يد واحدة
لما يكون الحالكُ أشدَّ حلكة، دمعة من رماد
والكلمة رباطاً في نزوة الموت.

رؤوس النساء
وكل الجزمات العالية التي بلا اسم والحذاء المفقود جنب الصورة الخاطئة
ونعالُ الطفل الذي يبقى في قياس 33
والكعب المسنن للرَّجُل مدفون في تنورتها
عظم الكلب الميت، عصا قائد الجوقة البلدية
عظم الرجل الميت، عصا قائد الجوقة السمفونية
طائر يقرع الباب الذي لم يضع عليه ملاك التوديعات 
علامة بعصير التوت.

ما تتسع له يد واحدة.
حين يكون الجسد بحجم ظله والنظرة 
إلى ذلك الجسد بحجم الضوء
اليد المقطوعة لمن لم يعد موجودا
وكل الأجساد التي كانت في تلك اليد
جسدٌ بحجم يدٍ
الخيط المعتم بين اليد وتنفُّسِ الذكرى
الحبل المتآكلُ، ذاك الذي يَسحَبُ.

ما تتسع له يد واحدة حتى أثر نجم رحل
مفصلة الجنون الذي يربط بالدوار الصائت اللا منطوق
حين يعرف وجهته، وجهة قطار حتى أسنان الطفل.
ما تتسع له يد واحدة، اليوم الحادي عشر من فبراير السبت، هو الرأس.


* ترجمة خالد الريسوني

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون