تذهب الفنانة اللبنانية ريم الجندي في أعمالها الأولى إلى استنطاق يوميات تستلّها من الحياة على طريقتها، حيث تستفيد من دراستها لفن الأيقونة في "جامعة الروح القدس - الكسليك"، من خلال تناول الوجوه التي تمزج في رسمها بين أنماط مختلفة، وتقدّمها في مساحة يتداخل فيها الواقع والمقدس.
حتى الرابع عشر من الشهر المقبل، يتواصل في "غاليري أجيال" ببيروت معرضها "وقت" الذي افتتح منتصف الشهر الماضي، ويضمّ أعمالاً تشكّل امتداداً لتجارب سابقة في محاولة لمساءلة أفكار تتعلّق بتقادم الزمن وتأثيراته النفسية على الفنانة.
تقول الجندي في تقديم المعرض "لطالما كنت أرسم كما لو كنت أقوم بتدوين مذكراتي. عندما كنت أصغر سنًا، كانت هذه اليوميات/ اللوحات سريعة وعنيفة وصاخبة وعفوية. مع تقدمي في السن، بدأت لوحاتي تهدأ تدريجياً. بدأت بإخفاء نشارتي في الزخارف التي أرددها وأكررها، كما لو كنت أبحث عن بعض الراحة في تكرار الأشياء وفي ترتيبها التالي.
في إحدى اللوحات، تظهر سبع نساء بوجوه سمراء والتي رسمت بطريقة تقترب من رسومات الملاك المقدس في الفن البيزنطي، يطرن فوق بنايات رمادية اللون وكأنهن يحرسن المدينة أو يتأملن ما حلّ بها، وما ينتظرها، في قادم الأيام، في تناقض بني على ألوان زاهية مشرقة للملائكة تحّلق في وسط داكن.
أما لوحة "القُبلة" فيتهيّأ العاشقان إلى قبلة تجمعها في مكان يبدو متخيلاً حيث رسم على خلفية اللوحة ذكرياتهما وتخيّلاتهما وأحلامها حول العائلة التي يتوقون إلى تشكيلها، حيث نلاحظ امرأة تحتضن طفلها وأخرى حاملاً ومشاهد كثيرة متعدّدة من حياة ستولد في لحظة ما.
تشير الجندي إلى أنها تحيك الآن الخرز في لوحاتها، وأنها في البداية لم تفهم سبب قيامها بذلك، لكنها بالتأكيد لم ترغب في "تزيين" رسوماتها بالخرز ولا إخراج المتسللين منها. بدلاً من ذلك، أرادت أن يصبحوا سطحاً ولوناً وملمساً وضرورة في تكوين العمل وفي اكتماله، موضحة "كنت أعلم أنني أريد شكلهم، لكنني أردت أيضاً معنى لوجودهم".
وتضيف "عندها أدركت أن تكرار الزخارف لم يعد كافياً بالنسبة إليّ، وأنني لم أعد أرسم مذكراتي فحسب، بل أدركت أنني قد بدأت رسم الوقت"، حيث قامت بخياطة حبة خرز تلو الأخرى، ببطء وبطريقة منهجية، لساعات متتالية، كما لو كان المرء يروض نفسه أو يعاقبها.
هنا، تبرز فكرة الزمن في هذه الممارسة الفنية التي تقوم بها الجندي باعتبارها "تمريناً على الصبر"، وعلى تحمّل مرور الوقت المكرس للانتظار"، ما يذكر بما كانت الجدات في أعمال التطريز والحياكة وخياطة الخرز، وهي تمارس الانتظار من أجل انتهاء الحرب، ونمو طفلها، واستئناف الحياة.