يُلاحظ في المشهد التشكيلي اللبناني مؤخّراً، عودة حضور الطبيعة سواء كموضوعة تشكيلية، أو حتى بروزها منذ العنوان، كـ"غابة" آلان فاسويان، وأشجار هدى بعلبكي، أو حتى المعرض الجماعي الذي وُقّع في موسم الأعياد "أهدني شجرة"، وكذلك "أزهار جميل ملاعب" المُرتقب افتتاحُه في الثامن عشر من هذا الشهر.
وفي متابعة لهذا الجوّ، يستمرّ حتى الحادي عشر من شباط/ فبراير المُقبل، معرض التشكيلية اللبنانية ريما أميوني (1954)، في "غاليري عايدة شرفان" ببيروت، والذي يحمل عنوان: "حديقة كبيرة تحتضن السماء بأغصانها".
لوهلة، قد يُنظر إلى هذا الحضور بوصفه بديهياً، بحُكم ما للمشهد التشكيلي من ترجمات خاصة في قراءة الطبيعة والتعامل معها، واختلاف الحساسيات الفنية، وفقاً للزمن والمتغيّرات المُحيطة.
ولكنّ أغصان "حديقة" أميوني، تنصرف إلى محاولة أشبه ما تكون بالتسلّق والامتداد العمودي صوب السماء، بمعنى أنها لا تكتفي بالتشعّب الأرضي. يكشف هذا - ربّما - دورَ اللون الأزرق، بوصفه عاملاً حاسماً في رسم حدود اللوحة، والفصل بين عناصرها.
على ذات المستوى، من التأمّل بالأغصان، فإنها تحتفظ لنفسها بمقدار من الكثافة اللونية، التي تزيدُها تقنية المدّ على القماش أسلوبية وخصوصية، إنها مقاربة ثقيلة الحركة نوعاً ما، إلّا أنها الطريقة الوحيدة لإشراك أوسع مروحة من الألوان في دائرتها.
لا تقف اشتغالات المعرض عند الطبيعة وحسب، بل تلتفتُ في بعضها إلى مجازٍ آخر، فبين ثنائية الحديقة والسماء، تبرزُ شخصيات إنسانية، ولو أنّها سرعان ما تحتجب خلف غيوم ملبّدة تلفُّها وتحوّلها إلى كائنات صامتة وغامضة، إذ لا فرصة أمامها من إضفاء أي بُعدٍ حواري على اللوحة، وإن كان أثيرياً، ليظلّ الغموض وحده المتسيّد.
بهذا يغدو معرض التشكيلية اللبنانية جزءاً من إطارٍ المشهد التشكيلي العام، والذي عادت به الطبيعة كأولى الموضوعات. بدورها لم توفّر أميوني جهداً في الاعتماد على أسلوب لا يُخفي بساطته، لوضع توقيعها ضمن ذلك المشهد.