بعد دراسته التاريخ في "جامعة كارلتون" الكندية، قرّر الفنان التايلندي ريركريت تيرافانيا (1961) تعلّم الفنون، حيث نال أكثر من شهادة جامعية، وبدأ عرض تجهيزاته التي تتخذ شكل منصات أو غرف لمشاركة الوجبات أو الطبخ أو القراءة أو عزف الموسيقى.
يصممّ تيرافانيا أعماله كفضاء يمكن التفاعل معه ضمن مستويات عدّة، فهو يخترق أية حدود بين الفنان وأفراد جمهوره الذين يتشاركون التجربة ذاتها، والتي تجعل الفن أقرب إلى الاحتفالية أو الطقسية، كما أنّها تسترجع الحنين إلى ذكريات قديمة، من خلال تثبيته شاشة فيديو صغيرة تُظهر راوياً يفتقد الماضي وينتقد التغيرات التي أحدثتها الرأسمالية في بنية المجتمعات الإنسانية.
حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري، يتواصل في "بيت الفن" بمدينة ميونخ الألمانية معرض جديد لتيرافانيا افتتح أول أمس الجمعة، ويمزج بين شكل التركيب والطباعة والفيديو والتصوير والرسم والوسائط المختلطة والموسيقى.
يتحدّى الفنان آلية العرض التقليدية، ضمن ثيمة أساسية يشتغل عليها منذ التسعينيات، حيث يصمّم في هذا المعرض حفل شاي، وورشة عمل لطباعة القمصان، إلى جاب طاولات للعب التنس الأرضي، في محاولة لاستكشاف اشتباك العلاقات الجماعية في ظلّ عدم اليقين بشأن مستقبل البشرية.
يقدّم تيرافانيا، في شكل مسرحي، مَشاهده الحيّة التي يتفاعل خلالها الزوّار مع الفنّان أثناء احتسائهم الشاي الذي تصنّعه نساء يرتدين اللباس التقليدي التايلندي، أو مشاركتهم في الطباعة على قمصان يمكنهم ارتداؤها أو أثناء لعبهم التنس، وهم سيتحرّكون في الفضاء بالتوازي مع الأفلام والمطبوعات والموسيقى المعروضة التي تثير بدورها أسئلة حول مواضيع مثل دورة الأخبار في عالم اليوم، واللجوء، وإعادة التفكير في مفهوم تاريخ الفن نفسه.
أمّا الشعارات التي تُطبع على القمصان فهي مستوحاة من "أوبرا هانغو"، في إضاءة على الروابط بين الموضة والسياسة والنزعات الفردية، والأوبرا تتكون من فصل واحد ومقتبسة من قصة استوحاها الروائي الياباني يوكيو ميشيما من حكاية تعود إلى القرن الرابع عشر عن فتاة تنتظر عودة حبيبها، كما صمّم حانة تشبه تلك التي ظهرت في فيلم "الخوف يأكل الروح" (1974) للمخرج الألماني راينر فيرنر فاسبيندر، والذي يكاد يقتصر على حوار طويل يدور بين بطلة الفيلم والنادل.