في عام 1950، أقام روي ديكارافا معرضه الأوّل الذي سعى من خلاله إلى تفكيك الرؤية التقليدية المهمينة على وسائل الإعلام الأميركية التي تختزل صورة الأميركيين السود عبر تقديمهم بطريقة سطحية أو كاريكاتورية أو بوصفهم عنواناً لأزمة اجتماعية.
التقط الفنان الأميركي من أصل أفريقي (1919 – 2009)، الذي درس الرسم والنحت، صوراً تمثّل الحياة اليومية ببساطتها وعاديّتها في حي هارلم؛ المنطقة التجارية في مدينة نيويورك التي ارتبط اسمها غالباً بالجريمة والفقر وموسيقى الجاز، وأخذت بُعداً آخر مع نشرها في أعمال روائية ومسرحية لعدد من الكتّاب السود وعلى أغلفة ألبومات موسيقية لاحقاً.
حتى التاسع عشر من شباط/ فبراير المقبل، يتواصل في "غاليري ديفيد زويرنر" بلندن معرض "روي ديكارافا: أعمال مختارة"، والذي افتُتح مساء الجمعة الفائت، ويضمّ مجموعة من الصور بالأبيض والأسود، التي يستخدم فيها تقنية الجيلاتين، والتي تجمع بين براعة شكلية ومشاهد تجسّد العلاقات الإنسانية في أعمق حالاتها.
على مدار ستّة عقود، رفض الفنان تصنيف أعماله باعتبارها توثيقاً مباشراً للحياة الاجتماعية في هارلم وغيرها من الأحياء النيويوركية، حيث قدّم تجربته وفق منظور تجريبي يسعى إلى خلخلة أنماط سائدة في التصوير الفوتوغرافي التقليدي لحياة الأميركيين الأفارقة، وإلى التعامل مع صوره كشكلٍ من أشكال الفنّ القائم في ذاته.
بعد أن تلقّى تعليمه في "مدرسة جورج واشنطن كارفر للفنون"، بدأ عمله في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي بشكل مستقلّ، واعتمد أسلوباً خاصّاً في طباعة صوره دون أن يُدخل عليها التقنيات الحديثة التي راجت في تلك الفترة، في تركيز على التدرّجات اللونية التي تستكشف الرمادي الفاتح والداكن على نحو يقترب من الرسم التعبيري.
في الفترة نفسها، التحق روي ديكارافا بالجيش في ولاية لويزيانا فأحسّ بأقسى درجات التمييز العنصري ضدّ السود، وأشار في مقال يتضمّن سيرته الذاتية إلى أن المكان الوحيد الذي لا يتمّ الفصل فيه بين المجنّدين على أساس عرقي كان جناح الطبّ النفسي في المستشفى، حيث مكث هناك حوالي الشهر، لكنّ كوابيسه المرتبطة بتجربة الجيش تلك استمرّت أكثر من عشرين عاماً.
قرّر ديكارافا مقاومة التسيس الصريح في الفن، مشيراً إلى أن "السود (...) لا يجري تصويرهم بطريقة جادة وفنية"، ونشر صوره الأولى التي عبّرت عن موضوعاته خارج إطار التضخيم والأسطرة وإبراز عاطفة مجّانية في تقديم يوميات الناس على نحو عفوي ومرتجل، متأثّراً بأسلوب فان غوخ في تحديد أكثر من بؤرة للإضاءة في العمل، وبرسّامَيْ الجداريات المكسيكيّين خوسيه كليمنتي أوروزكو ودافيد ألفارو سيكيروس.
يتضمّن المعرض عدداً من الصور التي نشرها الشاعر والروائي الأميركي الأفريقي لانغستون هيوز في روايته "ورقة الحياة الحلوة" (1955)، واستند في تأليفها إلى مئة وأربعين صورة لديكارافا تمركزت حول الجدّة ماري برادلي وأحفادها العشرة، والتي ناضلت ضدّ قرار المحكمة العليا الأميركية القاضي بفصل الطلبة السود عن نظرائهم البيض في مدارس البلاد.