مع اقتراب آذار/ مارس المقبل، تستعد مؤسسات ومراكز ثقافية عديدة في ألمانيا وحول العالم لاستعادة طروحات المنظّرة الماركسية والمناضلة البولندية الألمانية روزا لوكسمبورغ (1871 – 1919)، وآرائها في الاقتصاد والمجتمع والمرأة، وما تبقّى منها اليوم في عالم لا يزال نهب الرأسمالية المتوحّشة.
طوال قرن مضى انقسم اليسار العالمي حول صاحبة كتاب "إصلاح اجتماعي أم ثورة؟" بسبب معارضتها لتوجّهات البلاشفة منذ اندلاع ثورة تشرين الأول/ أكتوبر عام 1917 في روسيا، فقد رفضت المنطق البلشفي بالمساواة في العمل وفي الأجر، وأن تُفرض الاشتراكية من علِ كما أراد لينين وستالين آنذاك، وكان موقفها الأشد شراسة يتعلّق بالحرية كحدّ فاصل بينها وبين "شطحات" الرفاق.
واعتبرت أن حرية الصحافة والرأي والتعبير وحرية تشكيل الأحزاب والجمعيات شرط أساسي لدكتاتورية البروليتاريا، وأن هيمنة الحزب الشيوعي الواحد من شأنه تخريب الديمقراطية التي رأت أنها الطريق الوحيدة التي تحقق مصالح الجماهير الشعبية الواسعة، وكانت تؤمن بحرية كلّ فكر مغاير ومتجاوز للسائد.
"مئة وخمسون عاماً على روزا لوكسمبورغ - لقاء ثوري" عنوان الفعالية التي تنظّمها "مؤسسة روزا لوكسمبورغ" مع عدّة مؤسسات في مدينة كولونيا الألمانية في الثاني من آذار/ مارس المقبل، وتركّز على" تنظيراتها الفكرية ونضالاتها الثورية وأفكارها كامرأة متحرّرة في وسط مجتمع ذكوري"، بحسب بيان المنظّمين.
قالت باستحالة تحقّق الاستقلال في عالم تهيمن عليه الرأسمالية
ظلّ الافتراق الأبرز بين صاحبة كتاب "ما هو الاقتصاد السياسي؟" وبين تيارات شيوعية يكمن في تفسيرها لدكتاتورية البروليتاريا التي نظّر لها كارل ماركس، حيث كانت ترى أنها دكتاتورية طبقة وليست حزباً أو نخبةً سياسية، وفي تأكيدها على استحالة تحقّق السيادة والاستقلال في عالم تهمين عليه الرأسمالية، ولا تزال مقولتها هذه راهنة مع فشل حركات تحرّر عديدة في العالم، وصلت إلى السلطة أو لم تصل، في تحقيق سيادتها الحقيقية حين أخففت في تحرّرها الاقتصادي والاجتماعي.
وفي زمن العولمة والشركات متعدّدة الجنسيات وتسوّد النيولبيرالية، تحضر آراؤها التي ضمّنتها في كتاب "المسألة الوطنية"، حين ترى أن الشعوب الصغيرة محكوم عليها بالعجز السياسي، وأن الوجود المستقلّ لها مجرد وهم، وهو ما يحوّلها بلدان العالم الثالث إلى كيانات وظيفية يجري التدخل فيها والتحكم بإرادتها من قبل القوى الرأسمالية الكبرى باستمرار.
وقبل انتهاء العام الحالي، صدر كتاب "روزا لوكسمبورغ.. حياة نقدية" للباحثة والناشطة الهولندية دانا ميلز، التي تستعرض طروحاتها حول الإصلاح أو الثورة وتراكم رأس المال، من خلال قراءة معمقة لمراسلاتها الخاصة التي تكشف أكثر عن إيمانها العميق بالإنسانية والمساواة وإصرارها على الثورة.
إصرارٌ ماتت روزا الحمراء، كما لُقبّت، دفاعاً عنه ولا يزال العالم يذكر حين احتشد عشرات آلاف الناس في برلين حول قبر جماعي دفن فيه اثنين وثلاثين شيوعياً قتلتهم السلطات الألمانية خلال انتفاضتهم، وكانت منهم روزا لوكسمبورغ التي اغتيلت في الخامس عشر من كانون الثاني/ يناير 2019 أثناء نقلها إلى المعتقل، وألقيت جثتها في قناة لاندفيركانال، ولم يعثر عليها إلا بعد أربعة أشهر. اليوم تُفتح كرّاساتها على سبيل المراجعة وإعادة قراءة واحدة من أبرز منظّري الماركسية عبر التاريخ.