شكّلت مسألة النضال المدني واحدةً من روافع العمل السياسي على المستوى العربي، حتى قبل أن تشتعل الثورات والانتفاضات الشعبية بدءاً من عام 2011. ففي أكثر من بلد عربي كان يُمكن أن نلاحظ تلازُم مسارَي النظرية والمُمارسة/ الفعل في هذا الحقل. وربّما ما نشهده، اليوم، من إعادة إحياء النضال المدني بكلّ أشكاله في الساحة السورية، انطلاقاً من الحركة الاحتجاجية في مدينة السويداء، جنوبي البلاد، يجعل هذا السؤال من أولويات البحث السياسي والاجتماعي.
ضمن هذا الإطار، صدر العدَدان العاشر والحادي عشر (أيلول/ سبتمبر 2023) من مجلّة "رواق ميسلون"، في مُجلّد واحد، وخُصّصا لمسألة النضال المدني دراسةً وبحثاً تحت عنوان "النضال المدني: صناعة الفاعليّة المجتمعيّة"، بهدف فتح حوار عميق وتفصيلي حول هذا المفهوم، وبما يسمح بالوصول إلى آليات ومقترحات قابلة للتطبيق والتعميم.
كتب الافتتاحية الباحث راتب شعبو، وعنوَنَها بـ"النضال المدني ونزعة التسييس"، وتناول فيها مجموعة من الأفكار الرئيسة المتعلّقة بالنضال المدني، موضّحاً أنّ "غياب قوى مدنية تحمي المجال العام، يجعل من الأخير لقمة سائغة لأيّ سلطة 'بديلة'، أيّاً يكُن اسم 'الحزب' الجديد أو لونه أو أيديولوجيته".
الواقع الذي وصلت إليه القضية السورية يرفع من أهمية النضال المدني
وتضمّن مجلّد العدَدين ستَّ دراسات مُحكّمة، هي: "الإعلام الرقمي ودوره في التغيير الاجتماعي والسياسي" لمحمد بوعيطة، و"جدلية العلاقة بين النضال المدني والسياسات المقبورة" لحمدي الشريف، و"المجتمع المدني ودوره النضالي في ترسيخ الديمقراطية في العالم العربي" لنادية بلكريش، و"المجتمع المدني من منظور الانتماء الجذري للجماعة الإنسانية" لمنير الخطيب، و"الأيديولوجيا الدينية - الطائفية والنضال المدني المجتمعي: إضاءة على الحالة السورية" لطارق عزيزة، و"الحفر في صخرة الشمولية" لعمر كوش.
وفي باب "مقالات الرأي"، كتب الباحث الأردني سالم عوض الترابين مقالة بعنوان "النضال من الدّاخل: المجتمع المدني وإرهاصات الصمود"، طرح فيها ثلاثة محاور: "النضال المدني في الوطن العربي: توحّدُ الفكرة وغياب التنسيق". و"المفكّر العربي والنضال المدني: التنظير والتغييب". و"تجربة النضال المدني العربي بين الصمود والفشل".
كما كتبت الباحثة التونسية كوثر الردادي حول "الحركات الاجتماعية وتشكُّل الوعي بالنضال المدني: نماذج تونسية"، حيث رأت أنَّ "العمل والنضال المدني يشملان كلّ القوى المُقاوِمَة للظّلم والحَيْف الاجتماعي والمُنادية بالحرية والعدالة".
وكتب الباحث السوري ماهر مسعود عن "القضية السورية وإشكالية النضال المدني"، مؤكّداً أنَّ "هذا الواقع الذي وصلت إليه القضية السورية هو ما يرفع من أهمية النضال المدني، ويجعله من أهم أنواع النضال المُمكنة أمام السوريِّين في المرحلة الحالية والمُستقبلية".
بدوره، كتبت عبير الكوكي من تونس عن "الميديا الاجتماعية: شكل من أشكال النضال المدني في تونس"، ورأت أنّ الميديا الاجتماعيّة "أفرزت حرّية النفاذ إلى المعلومة، كما عزّزت الديمقراطية التداولية والمشاركة السياسية في الشأن المحلّي على الرغم من المراقبة والمنع والتعذيب الذي سُلّط على الناشطين الافتراضيّين".
أما الكاتب السوري محمد ياسين نعسان، فأسهم بمقالة بعنوان "النضال المدني من الجماعة إلى المجتمع"، رأى فيها أنَّ علينا، قبل التفكير في النضال المدني، "أن نعيد تصحيح مفاهيمنا عن معنى المجتمع المدني وكيف ننتقل من مرحلة الجماعة البشرية، إلى حالة المجتمع والمواطنة وإعادة النظر في مفهوم الانتماء".
وفي الملف الخاص؛ "تجارب نسوية"، كتبت سلوى زكزك، من سورية، عن "متلازمة العمل المدني: دعوة للشفاء أم إنكار للواقع"، وعنونت ولاء صالح مقالها بـ"عن الكتابة كنضال مدني: في ضرورة توسيع أفق النضال المدني"، فيما كتبت إسراء عرفات من فلسطين حول "دور الوعي السياسي في توليد النضال المدني (قراءة في ضوء نظرية الفرصة السياسية)".
وفي باب "الحوارات"، أجرت المجلّة حواراً مع الباحث السوري في الشأن التربوي ريمون المعلولي، تناول فيه مفهوم النضال المدني وأشكاله وإمكانياته ومجالات عمله والموضوعات المتعلّقة به، وتجسيداته في سورية والمنطقة العربية.
اختارت هيئة التحرير المفكّر السوري الراحل صادق جلال العظم ليكون شخصية العدد
وفي باب "مقاربات حول ملفّ العدد" نشرت المجلّة أربع مقاربات؛ وهي "منظّمات المجتمع المدني السوري في قلب المخاطر: مواجهة زلزال شباط/ فبراير 2023 نموذجاً" لمحمود الوهب، و"حكاية 12 عاماً من حياة الفضاء المدني السوري بعد الثورة" لفادي ديوب، و"دور النضال المدني في بناء الخطّ الثالث في ظلّ مجتمع مُنقسم بالحرب؛ دراسة للحالة السورية" لرياض زهر الدين، و"المجتمع المدني الاضطراري: محاولة في بارادايم جديد لعلاقة المدني بالسياسي" لحسين شاويش.
واختارت هيئة التحرير المفكّر السوري الراحل صادق جلال العظم، الذي رحل في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2016، ليكون شخصية هذا العدد. وفي هذا الباب كتب الباحث السوري حسام الدين درويش دراسة بعنوان "صادق جلال العظم: من العلمانية الصلبة إلى العلمانية اللينة"، وهيثم توفيق العطواني مقالاً بعنوان "النقد بوصفه منهجاً في فلسفة العظم"، فيما ترجمت هويدا الشوفي فصل "المجتمع المدني والربيع العربي" من كتاب باللغة الإنكليزية للمفكّر السوري.
وفي باب "دراسات سياسية" وقّعت صبا مدور ورقة بعنوان "ما مدى نجاح الحكومة التوافقية في تنظيم الصراع الإثني القومي"، ونظرت الباحثة المغربية فاطمة لمحرحر في "السياسة الثقافية في المغرب بين الإنصاف الدستوري وعوائق التنزيل".
وتضمّن باب "إبداعات ونقد أدبي" مقالة للتشكيلية السورية رِيَام الحاج، التي وقّعت لوحات العددين، بعنوان "زخارف الرّيزين الدِّمشقيّ: اقتراح (تقنيّ/ فنِّيّ) في فنّ الزّخارف بموادّ بديلة". وتضمَّن هذا الباب أيضاً نصوصاً وترجمات لعلا الجبر، وماهر راعي، وعمار الأمير، وأمل فارس، وعبد الرزاق دحنون.
وفي باب "ترجمات"، قدَّم غسَّان مرتضى فصلاً ترجمَه عن الروسية من كتاب "قضايا الإضحاك والضحك" الذي كتبه ف. يا. بروب في آخر أيّام حياته. وفي باب "مراجعات وعروض كتب"، نشرت المجلّة مقدّمة كتاب "المجتمع المدني اليوم" لجاد الكريم الجباعي، الذي سيصدر نهاية العام الحالي. وختاماً بباب "وثائق وتقارير" الذي اشتمل على مادّتين، هما: "أهم أفكار حرب اللاعنف"، و"أسلحة حرب اللاعنف؛ خيارات التصدي للظلم"، من منشورات "أكاديمية التغيير" المُتخصِّصة في قضايا النضال المدني والتغيير واللاعنف.