رحلت الكاتبة البريطانية آن بيري (1938 - 2023) عن عالمنا، يوم الأربعاء الماضي، عن أربعة وثمانين عاماً، في مدينة لوس أنجلوس الأميركية. وقد أيقظ رحيل الكاتبة، التي بَرعت في مجالِ الروايات البوليسية، لا سيّما في العصر الفيكتوري، قصّة حياتها الشخصية والسرَ الذي تمكَّنت من الحفاظِ عليه لعقودٍ من الزّمن، إلى أن انتهى الأمر بأن ظهر إلى العلن: لقد قتلَتْ الكاتبة والدة صديقتها المُقرَّبة عندما كانت مُراهِقة.
حدثَ ذلك في عام 1954. في تلك الفترة، كان اسم الكاتبة هو جولييت هولم، وقد عاشت في نيوزيلندا مع صديقتها المُقرّبة بولين باركر. في ذلك العام، قرّر والدا هولم أن ينتقلا خارج نيوزيلندا، وأرادت الفتاة، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك خمسة عشر عاماً، أن تصطحب صديقتها باركر معها، لكن والدةَ الأخيرة رفضت بشكلٍ كامل.
لم تقبل المُراهِقة قرارَ الرفض، ولم تعرف كيف تتعامل معه. هكذا انتهى الأمر بها بأن قتلت والدة باركر ضرباً بطوبة إسمنتية. أثارت الجريمة ضجّةً كبيرةً، واضطرّت الكاتبة إلى تغيير هويتها، ومنذ ذلك الحين صار اسمها آن بيري.
نشرت الكاتبة أوّل روايةٍ لها باسمها الجديد في عام 1979
أثارت الصحافة آنذاك قضية ما إذا كانت هناك علاقة غرامية بين الشابّتين، لكن الكاتبة نفسها أخذت على عاتقها مهمّة نفي ذلك طيلة حياتها. حُكمت بيري لسنوات طويلة بالسجن، ونجت من حكم الإعدام، لأنّها كانت دون السن القانونية آنذاك.
وفي حقبة التسعينيات، أثارت الصحافة مجدَّداً جريمة الكاتبة، حينها اضطرّت بيري إلى الخروج عن الصمت، وقالت: "أتمنّى أن يحاكمني العالَم اليوم على أساس من أنا، لا من كنت".
نشرت الكاتبة باسم آن بيري أوّل روايةٍ أدبيةٍ لها عام 1979 تحت عنوان "جرائم شارع كاتر"، وحقّقت نجاحاً بارعاً، حيث بيع منها 25 مليون نسخة. تندرجُ أعمالُها ضمن صنف السرديات التجارية، حيث يغلب على أعمالها قصصَ القتل، والغموض والإثارة والمطاردات، تماماً كما حدث في حياتها، إضافة إلى القصص البوليسية بشكلٍ عام.
تتميّز أعمالها بوجود شخصيّات تتكرّر، لا سيّما شخصية توماس بيت، إضافة إلى المحقّق وليام مونك، فاقد الذاكرة، والذي ظهر أوّل مرّة في روايتها "وجهُ رجُلٍ غريب" (1990).
في عام 2003، كانت آن بيري قد نشرت سبعةً وأربعين كتاباً، إضافة إلى بعض القصص القصيرة، التي برزَ من بينها كتاب "أبطال" (1990)، حيث ظهر للمرّة الأولى في أنطولوجيا "الجريمة وهوس 1990"، ونال جائزة "إدغار آلان بو" عن فئة السرديات القصيرة.
لا شك أنَّ رحيل الكاتبة البريطانية سيترك فراغاً في عالم الغموض الأدبي والروايات البوليسية، ولكن من المؤكد أنَّ الجميع سيتذكّرها، أديبةً وقاتلةً، لا سيّما بعد أن نُقلت أحداث جريمة القتل التي ارتكبتها إلى السينما، في فيلم الدراما النفسي "مخلوقات سماوية" (1994) للمخرج بيتر جاكسون، حيث لعبت دور المراهقة، هولم، الممثلة كيت وينسليت.