ربيع عيد.. أرشيفٌ شخصيّ عن هبّة أيّار

09 مارس 2023
ربيع عيد حائزاً جائزة المخرج الناشئ قبل أيام خلال "مهرجان الأرض" بإيطاليا (أحمد الخليل)
+ الخط -

ما قصّة أيّار؟ في هذا الشهر، من عام 2021، انتفضت فلسطين نصرةً لأهل حيّ الشيخ جرّاح الذي كان الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي قد سلّط عليه ماكينة التطهير العرقي، فارضاً على عدّة عائلات تُقيم فيه مغادرة منازلها لاستبدالهم بمستوطنين إسرائيليين، ضمن سياسته المستمرة لـ"أسْرَلة" القدس. وفي هذا الشهر أيضاً من العام التالي، 2022، اغتال جنود الاحتلال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، بطلقة في رأسها، بينما كانت تغطّي اقتحام هؤلاء الجنود لمخيّم جنين. 

بين هذين التاريخين يتموضع فيلم "في العودة إلى هبّة أيّار" (20 دقيقة) للصحافي والمخرج الفلسطيني الشاب، ربيع عيد، الذي حاز عنه، قبل أيّام، جائزة المخرج الناشئ في النسخة التاسعة عشرة من "مهرجان الأرض السينمائي" في كالياري بجزيرة سردينيا الإيطالية.

خلال هبّة 2021، حمل عيد هاتفه وراح يوثّق بالفيديو الاعتداءات الإسرائيلية التي شهدتها مدينته، حيفا المحتلّة، وعمليات الاعتقال بحقّ عشرات الشباب الفلسطينيين. كان أوّل الأمر ينشر المقاطع المصوّرة والمعلومات عن الاعتداءات وأسماء المعتقلين على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يتطوّع لتزويد عدد من محطّات التلفزة والإذاعة بها. وبعد هدوء الأمور نسبياً، غادر ربيع عيد لاستكمال دراسته للصحافة والسينما الوثائقية في بريطانيا. 

يتوجّه في عمله إلى مُشاهد غربي يختصر القضية بـ"الصراع"

لكنّ خبر اغتيال شيرين أبو عاقلة، في أيار الذي تلاه، والذي تلقّاه في مكان إقامته بمدينة برايتون، سيضعه أمام سؤال وجوديّ عن دوره كصحافيّ في المساهمة بدعم نضال شعبه وفي تغطية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. سيقرّر الصحافي الشاب إخراج أرشيف تغطيته لهبّة 2021 ليبني عليه فيلمه الذي يتوجّه فيه إلى كلّ "آخَر" قد لا يمتلك ما يكفي من المعرفة حول قضية الشعب الفلسطيني وما يقاسيه بسبب الاحتلال.

بالإنكليزية، يحدّث عيد مُشاهدي فيلمه عما يُسمّى في الإعلام الغربي "الصراع"، هذا "الصراع" الذي يُعيد المخرج الشاب شرحه للمُشاهد الغربي على النحو الآتي: آخِرُ قضية استعمارية لم تجد حلّاً بعدُ في عالمنا. كما يعود ربيع عيد على طبيعة عمله صحافياً شاباً يغطّي أحداث العنف والقمع والاعتقال الإسرائيلي من دون أن يملك بطاقة صحافي أو سترة واقية، مذكّراً المشاهد بأنه كان محظوظاً بأنه لم يتعرّض خلال التغطية للاعتقال أو الإصابة، وهُما أمران يعرف الصحافيون الفلسطينيون، وحتى الأجانب، الكثير عنهما. كذلك يُولي ربيع عيد مساحةً لعائلته، ولا سيّما والداه، اللذان نرى قلقهما وخوفهما عليه وهو يقضي المساءات بين مظاهرةٍ واعتصام، وتغطيةٍ لحملة اعتقالات.

"يمثّل الفيلم، أساساً، مشروعَ تخرّجي لشهادة الماجستير في برنامج الصحافة والأفلام الوثائقية بجامعة 'سوسيكس' (Sussex) البريطانية. عندما أنجزته، كان هدفي التخرّج من الجامعة بمشروع يكون له دورةُ حياة بعد تسليمه للجامعة، ولا ينتهي مع الحصول على الشهادة كالكثير من مشاريع التخرّج. لذلك، ما كان يهمّني هو إنجاز عمل متقن قدر الإمكان، خصوصاً أنني لم أكن أفقه شيئاً مسبقاً في صناعة الأفلام سوى ورشة واحدة"، يقول عيد في حديثٍ إلى "العربي الجديد". 

وإذا كانت فكرةُ إنجازٍ فيلم يُصنَّف، منذ اللحظة الأولى، كفيلم مقاومة ونضال، غير حاضرة في بال المخرج الشاب عند بدء المشروع، فإنّه يذكّر بأن "حيثيات الواقع الاستعماري في فلسطين تلاحقنا أينما ذهبنا. مثلاً، الكثير من الطلّاب الفلسطينيين الدارسين في الخارج دارساتٍ عليا، خصوصاً في مواضيع بالعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، يختارون مواضيع تتعلّق بفلسطين والواقع الاستعماري. بعيداً عن التصنيفات، يبقى السؤال الأهمّ متعلّقاً بما نُنتجه، وهل ينجح في تغيير شيءٍ ما".

ويضيف: "صناعة الأفلام في فلسطين وعن فلسطين أمرٌ هامٌّ جدّاً لإبقاء السرديّة الفلسطينيّة حيّةً، وكجزء من التواصل مع باقي العالم وأيضاً بين الفلسطينيين أنفسهم، وهُم المجزّؤون في جغرافيّات سياسيّة مختلفة. هذا أمرٌ لا يرغبه الاحتلال الإسرائيلي. عملي صحافياً، وحتى مخرج أفلام، لا يعني أبداً أن أكون محايداً. أنا منحازٌ لشعبي الفلسطيني وقضيّته العادلة في التحرُّر من نظام الاستعمار الاستيطاني الوحشي الذي نعيشه، ومن كل ما يمثّله من شرّ ومن رغبة منه في جعلنا رعايا خانعين".

ليس المهمّ تصنيف ما ننجزه، بل قدرته على تغيير شيءٍ ما

وعن نيله جائزة المخرج الناشئ في المهرجان الإيطالي، وما يمكنه أن تضيفه إلى مساره كفنّان شاب، يقول عيد: "ما تعنيه لي هذه الجائزة هو أنني ما زلت في بداية الطريق، وما زال أمامي الكثير من العمل على نفسي في الأفلام القادمة. بالنسبة إليّ كشخص أنجز فيلمه الأول -مع العلم أنّني ما زلت لا أعرّف نفسي مخرجاً، حتى أُنجز المزيد من الأفلام- أعتبر الجائزة حدثاً مهمّاً في بداية مسيرة مِهنيّة أسعى لها في مجال صناعة الأفلام الوثائقيّة". وهذا يتطلّب، كما يضيف لـ"العربي الجديد"، "أن أعطي أولويّة أكبر لعملي في إخراج الوثائقيّات. أعمل منذ ثلاثة عشر عاماً في الصحافة، وقدومي لعالم صناعة الوثائقيّات جاء من هنا، إذ أرى فيه امتداداً أوسع يفتح أُفقاً أكبر لرواية قصّة ما أو معالجةٍ أعمق لقضيّة معينة. لذلك، ستشجّعني الجائزة على مسار رسمْتُه لنفسي وأرغب في تحقيقه وأعمل لأجله. لكنّه مسار طويل وما زلت في البداية".

مسارٌ يسعى ربيع عيد لاستكماله مع فيلمٍ ثانٍ يعمل عليه: "العمل القادم عبارةٌ عن وثائقي طويل حول الحراك الشعبي والشبابي ضدّ مخطّط الاحتلال الإسرائيلي لمصادرة أراضي أهالي النقب عام 2013، والمعروف باسم 'مخطّط برافر'. أنجزتُ المقابلات قبل عدّة سنوات قبل أن أدرس صناعة الوثائقيّات، وكان ذلك كجزء من توثيق حراك سياسي فلسطيني نجح في إيقاف مخطّط استيطاني ضخم، ولكوني مهتمّاً بالحراكات الشبابيّة السياسيّة، وأيضاً كبذور أولى في رغبتي لصناعة الوثائقيّات. ما زلت حالياً في مرحلة ما بعد الإنتاج، وآمل إنجاز الفيلم تماماً خلال الأشهر القادمة".

المساهمون