بعد إصداره سلسلة كتب في النظرية الأدبية المعاصرة، نشر الناقد الإنكليزي رامان سيلدن (1937 – 1991) كتابه "مقدّمة لممارسة النظرية وقراءة الأدب" عام 1989، والذي طوّر خلاله جملة أفكار ناقشها سابقاً في مؤلّفاته حول النظرية الأنكلوأميركية، والشكلانية الروسية، والبنيوية، وما بعد البنيوية، واستجابة المتلقّي، والنقد الماركسي والنسوي.
ويتميّز الكتاب بأسلوبه المبسّط الموجّه للقارئ العادي مع تأكيد على تعقيد المشهد النقدي العالمي والتراكم المعرفي في ما يخص النظرية والممارسة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والتقاطعات الهائلة بين النقد الأدبي وبقية حقول المعرفة في العلوم الإنسانية والاجتماعية واللغوية وغيرها، وتجاوُز النقد أيضاً للمقولات التي كرّستها المركزية الأوروبية.
عن "دار المأمون" في بغداد، صدرت النسخة العربية كتاب سيلدن بترجمة عزيز يوسف المُطّلبي في ستّة فصول يسعى فيها المؤلّف إلى إبراز الأسلوب الذي تستطيع من خلاله النظريات المعاصرة أن تطوّر ممارسة القراءة والتلقّي.
يتناول الفصل الأول النقد الأخلاقي عند ف. لفايس والنقد الجديد لدى جون كيتس وبلاغة الخيال في أعمال هنري جيمس كنماذج ممثّلة للنقد الأنكلو أميركي، بينما يناقش الفصل الثاني انشغالات الشكلانيين الروس بوضع أساس علمي لنظرية الأدب، ويستعرض الفصل الثالث البنوية من خلال دراسة روايات آرثر ميلر وأوجين أونيل وآخرين.
ويعاين سيلدن في الفصل الرابع طروحات ما بعد البنوية عبر العودة إلى روايات ناثانيال هاوثورن وإميلي ديكنسون ووليم ووردورث وشكسبير، ويقرأ أعمال إدغار ألن بو وصموئيل بيكيت وغيرهما في الفصل الخامس الذي خصّصه لنقد نظرية التلقي، فيما يُختم الكتاب بالفصل السدس الذي يقدّم قراءات في النقد الماركسي والنسوي عبر تتبّع أعمال دانييل ديفو وجميس جويس وآخرين.
يشير المترجم في تقديمه إلى أن الكتاب "يتضمّن امتزاج وعيين: وعي الكاتب ووعي القارئ، ومهمّة الولوج إلى وعي المؤلّف تتحقّق من خلال التعرّف على كتاباته المتنوّعة؛ فهي تمنح مدخلاً في بنية هويته"، موضحاً أن الكتاب "يستنفر قدرات القارئ ويدعوه إلى تحرير وعيه من المسلّمات ليشركه في المشهد النقدي، مطالباً إيّاه أن ينظر إلى كثرة هذه النظريات بوصفها مصدراً وفيراً يجب التمتّع به وتذوّقه بتلذذ؛ فهو يراهن على تجربة القارئ في فعل قراءة النص، ويرى أن متابعة النظريات النقدية الجديدة التي فصّل فيها، وكذلك التمرينات التي عرضها ستمكّن القارئ من محاولة قراءات مختلفة للنص، وبذلك تنتقل ممارسة القراءة من مفهومها الاعتيادي إلى ممارسة نقدية، وعندئذٍ تكتمل العملية التواصلية بنجاح".