رافائيل فيرشر: الرياضة من وجهة نظر فلسفية

15 اغسطس 2022
جزء من "لاعبي كرة القدم الأميركية" لـ ألبرت غلايزس
+ الخط -

رغم أن الرياضة لا تُعَدّ واحدةً من المواضيع الأساسية التي انشغل بها الفلاسفة منذ الإغريق إلى اليوم، إلّا أن قراءة مختلفة في تاريخ الفلسفة كفيلةٌ بالكشف عن اهتمام مبكّر لدى الفلاسفة بإمكانات الجسد، وبدور المجهود الجسديّ في الوجود وفي الحياة المدينية، وهو ما يتوقّف عنده أفلاطون، مثلاً، في أكثر من موضع من كتابيه "الجمهورية" و"القوانين"، ولا سيّما حين يتحدّث عن تعليم الأطفال وبنائهم جسدياً، إلى جانب بنائهم فكرياً.

رغم ذلك، ستنتظر الرياضة طويلاً، أي حتى العقود القليلة الماضية، لتتحوّل إلى موضوع تُخَصّص له كتبٌ وأطروحات فلسفية، وهو ما لا يبدو غريباً في حدّ ذاته، خصوصاً إذا ما عرفنا أن فهمنا الحالي للرياضة يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر.

عن منشورات "فولكان" في باريس، صدر حديثاً كتاب "الرياضة والجَدارة: تاريخ أسطورة"، للباحث رافائيل فيرشر، والذي يستكمل فيه مُساءلته الفلسفية للرياضة، التي بدأها في كتابه "فلسفة الماراثون"، المنشور عام 2020.

كما يُشير عنوان الكتاب، فإن فيرشر يسعى إلى نقض فكرةٍ شائعة حول "النجاح" الرياضي، والذي يجري ربطُه بشكل دائم بمثابرة المرء، واشتغاله على ذاته ــ جسداً ونفساً ــ، من أجل الوصول إلى لياقة وقدرات عالية. لا ينفي المؤلّف أن ثمة ما هو صحيحٌ في هذا الاعتقاد، ولا سيّما ما نراه من وصول رياضيِّين من طبقات اجتماعية فقيرة إلى أعلى المراتب. لكنّه يوضح أن الأمر لم يكن دائماً كذلك، فتاريخ الرياضة كان ــ منذ ولادتها في معناها الذي نعرفه اليوم ــ أقرب إلى معايير الأرستقراطية منها إلى الجدارة.

س

هنا، يعود فيرشر إلى النحو الذي تعاملت من خلاله الحكومات مع الرياضة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث كانت تُستخدم، بحسبه، من "أجل السيطرة على الطبقة الطلّابية"، ومن أجل بناء نخبة قوية، ليس فكرياً فحسب، بل كذلك جسدياً، وهو ما يتنزّل ضمن ما سمّاه ميشيل فوكو بـ"السياسة الحيوية"، التي تتّبعها السلطة من أجل التحكّم بالمجتمع عبر التحكّم بأجساد الناس.

وضمن قراءته لنصوص مبكّرة حول معنى الرياضة وعلاقتها بالمعيش اليومي والسياسة والمجتمع ــ ولا سيّما لدى المؤرّخ والمربّي الفرنسي بيار دو كوبيرتان، صاحب الدور الكبير في نشر الممارسة الرياضية في فرنسا ــ يخلُص المؤلّف إلى أن الممارسة الرياضة بُنيت على أساس قَبْليّ ـ أرستقراطيّ، إذ نُظر إليها كممارسةٍ تكشف عن طاقات وقوى "طبيعية" موجودة أساساً لدى المرء عند ولادته، ولا يمكنها تغيير شيء لدى مَن وُلدوا بأجساد ضعيفة.

ويتتبّع فيرشر التحوّل الذي طرأ على هذه النظرة، بدءاً من الستّينيات، حيث راحت الممارسة الرياضية تتحوّل إلى ظاهرة شعبية أكثر ارتباطاً بالجدارة، أي بقدرة أي فرد على الوصول إلى مراتب عُليا لو بذل الجهد اللازم لذلك، وأكثر ارتباطاً بالتحرّر، وصولاً إلى اقترانها بالمتعة وبالصحّة الجسدية خلال العقود القليلة الماضية.

المساهمون