ذكرى ميلاد: هدى النعماني.. دربٌ لا تُعرّف إلا بالشعر

02 يونيو 2021
(هدى النعماني، 1930 - 2020)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني من حزيران/ يونيو، ذكرى ميلاد الشاعرة اللبنانية السورية هدى النعماني (1930 – 2020).


في عام 1970، أصدرت هدى النعماني ــ التي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلادها ــ ديوانها الأوّل بعنوان "لك"، عن "دار النهار"، وقد تضمّن قصائد ذات نزعة صوفية تهتمّ بفلسفة الوجود ومعرفة الذات وخلاصها، بلغةٍ تمزج بين الموروث الصوفي وحداثةٍ شِعريّة تعتمد التكثيف والاختزال.

وُلدت الشاعرة والفنّانة اللبنانية السورية في مدينة دمشق لعائلة تعمل في التجارة، ولديها مكانة اجتماعية ودينية. تلقّت تعليمها في الثانوية الفرنسية ومدرسة الفرنسيسكان، ثم التحقت بكلّيّة الحقوق في "الجامعة السورية" (ستصبح، لاحقاً، "جامعة دمشق") لتتخرّج منها عام 1951، وعملت في مكتب المحاماة الذي أسّسه خالها سعيد الغزّي؛ البرلماني المعروف ورئيس الوزراء الأسبق. 

انتقلت بعد عامٍ إلى القاهرة إثر ارتباطها بابن عمّها، عبد القادر النعماني، الذي كان يشغل منصب عميد "الجامعة الأميركية" هناك، حيث انضمّت في القاهرة إلى "مدرسة الدراسات الشرقية" ودرست العلوم الإنسانية والفنون الإسلامية، لكنّها لم تكمل تعليمها، وعادت لتستقرّ في بيروت بحلول سنة 1968.

حوّلت بيتها في بيروت إلى صالون أدبي اجتمع في جلساته ا نزار قبّاني وأنسي الحاج ويوسف الخال

وانخرطت النعماني في الحياة الثقافة البيروتية، وحوّلت بيتها إلى صالون أدبي انتظمت جلساته التي شارك فيها نزار قبّاني وأنسي الحاج ويوسف الخال وشوقي أبي شقرا وخليل حاوي وأدونيس وفؤاد رفقة وبلند الحيدري وغيرهم، حيث كانت سجالات تحديث القصيدة العربية مهيمنة على لقاءاتهم.

وعن تلك الأجواء، والجوانب الاجتماعية والإنسانية في شخصيّة هدى النعماني، يقول الفنّان اللبناني عبد القادري، الذي عرفها في مرحلة متأخّرة من حياتها، إنّ النعماني كانت تتميّز بشخصيّة مقبلةٍ على الحياة وعلى كلّ شيءٍ حلوٍ فيها، فاتحة أبواب بيتها للمويسقى والشعر والفنّ.

يضيف: "كان بيتُها مساحةً لاستقبال الناس والعالَم، هي المتّصلة، روحانياً، بتاريخٍ إنساني عميق. كانت تُحيط ضيوفها وأصدقاءها من المثقّفين بالحبّ والكرَم، وكانت تتحدّث بروحٍ وطاقة ملحوظَين عن الأدب والشعر والفنّ".

في تلك المناخات، بدأت صاحبة ديوان "أصابعي... لم" (1971) نشر قصائدها التي عكست صوتاً جديداً يمتلك رؤية مختلفة تجمع بين البُعد العرفاني الروحي وبين التمرّد والنقد، وكذلك عبّرت عن نفسها في رسوماتها التي ظهرت في مرحلة لاحقة.

تقول النعماني في إحدى القصائد التي تضمّنها ديوانها "رؤيا على عرش":
"هل المعنى الخروجُ من الذات، طيُّ
الأزمنة، والذاتُ نهرٌ؟
النحاسُ ذوبٌ في الآخر، والذوبُ
جذورٌ؟
أغالبٌ البهاءُ الباهظ والأرض المقدسة؟
أمغلوبةٌ صفعةٌ تتحوّل إلى صراخ؟".

تتّكئ في قصيدتها على تأمّلات أو شطحات تُقارب البعيد والغريب، الغياب والحضور، والوصل والقطع؛ تحضر المادّة والروح في تناقضهما والتقائهما، وتُطرَح التساؤلات حول تلك الثنائيات التي تشغل بال الشاعرة ووعيها بالحبّ والكون والذات والآخر واللغة والقصيدة ومعانيها التي لا تنشكّل في إجابات قطعية بالضرورة.

يوثّق الموقع الإلكتروني للشاعرة (http://houdanaamani.com/) مقولات عدد من المثقّفين والشعراء في قصيدتها، ومنهم الناقدة سلمى الخضراء الجيوسي التي تصفها بعبارة "تفرّد شجاع وحنون يوحّد الحياة والموت". أمّا الشاعر محمد علي شمس الدين فيقول: "نصّ هدى النعماني يُقرأ بأكثر من عين، وهو في أحجيات الكلام. نصٌّ ذو مفتاح سحري. أليس السحر أساس الشعر؟". بينما يرى الملحّن وليد غلمية أنها "تكاد أن تكون تصويتاً موسيقياً يتألّف من طنيناتٍ تولد وتموت، لتولد من جديد فتشكّل أعذب موت وأشهى ولادة".

تكتب هدى النعماني في وصف الشاعر في ديوانها "قصيدة حب"، فتقول: "أترونه جاعلاً من عذابه لكم درعاً، من ذاته مرآةً، من صوته ثوباً، من حياته مسرحاً، من روحه بئراً، من جسده أرصفةً تدوسون عليها وزجاجاً محطّماً لا يلتئم... لا يبرأ. مزّقوا صدره، ستتوقّدُ خناجركم على وجهه كالحرير. ارجموه تكراراً، سيجد في حَصاكم ألوانَ الشفق. قطّعوا ثوبه، ستلقون له ثوباً من النقاء لا يُلمَس. لِمَ يرمي نفسه، يذبحُها؟ لربّما كان مثل الشتاء: يريد أن يموت. لربّما كان مثل المسيح: يريد أن يحيا. لو سألتموه: ما هو الشعر، لأجابكم: لا أدري. هو مع ذلك ملتصقٌ به وعبدٌ له".
 

المساهمون