تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد الملحن والمغني الباكستاني نصرت فتح علي خان (1948 – 1997).
في العاشرة من عمره، غنّى نصرت فتح علي خان الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده مع إحدى الفرق في منطقة البنجاب شمال الباكستان، حيث تتوارث عائلته فن القوالي منذ أكثر من سبعئمة عام، وهو نمط من الإنشاد الديني يرافقه عزف آلات شعبية بمزيج من التقاليد الفنية واللغات الفارسية والعربية والتركية والهندية.
لم يكن يعلم الملحن والمغني الباكستاني (1948 – 1997) أن صوته القوي الذي شبهّه نقاد الموسيقى بصوت بافاروتي، مغنّي التينور الإيطالي، وتجريبه بمزج التراث الصوفي بالموسيقى الإلكترونية الغربية، سيحققان له حضوراً عالمياً في منتصف الثمانينيات، ويتم الاعتارف بالقوالي الذي جذب موسيقيين غربيين للتعاون معه في مقطوعات عديدة.
وُلد خان في مدينة فيصل أباد الباكستانية بعد أقل من عام على انفصال الباكستان عن الهند حيث كانت تعيش أسرته واضطرت إلى الانتقال مع ملايين المسلمين، ورغم أن والده أراد أن يستكمل ابنه دراسته ويصبح طبيباً أو مهندساً، إلا أن ورشات الموسيقى التي كان ينظّمها والده جذبته إلى عالم لم يستطع الانفلات منه حتى رحيله.
بعد وفاة عمّه مبارك خان عام 1971، تسلّم نصرت فرقة العائلة وسجّل في تلك السنة بصوته أغنية "حق علي" التي تعتبر من أبرز الأناشيد الصوفية في شبه القارة الهندية، وبدا أداؤه متحفّظاً مقارنة بارتجالاته التي ظهرت في الأغاني اللاحقة، لكنها لاقت انتشاراً واسعاً.
في مقابلة سابقة أجراها معه الأنثربولوجي الباكستاني آدم نايار، يتكشف عمق معرفة نصرت بالصوفية وتأثيرها بالفنون في الهند، مشيراً إلى أبرز أدبياتها التي تعلّمها مثل قصائد أمير خسرو الذي رحل في القرن الثالث عشر الميلادي، ورغم أن القوالي أصبح فناً شعبياً تردّد أغانيه اللغات المحلية مثل الأردية والهندية، إلا أن نصرت أشار إلى إتقانه للنصوص الأصلية المكتوبة باللغة الفارسية، وفهمه كيفية انتقالها وتشكّل فنون محلية بمؤثرات مختلطة، مستحضراً رواية شعبية حول تعليم خسرو اثني عشر طفلاً الموسيقى من أجل خلق حوار موسيقي بين رجال الدين المسلمين والهندوس.
أقام خان عام 1985 حفلاً في "مهرجان عالم الموسيقى والفنون والرقص" (ووماد) بلندن، لتتوالى بعد حفلاته في باريس ونيويورك وطوكيو، في مرحلة صعد خلالها نجم عدد من المغنين الهنود والباكستانيين خارج بلادهم مثل نور جيهان، وآشا بهوسل، وجاويد أختر، وغيرهم.
وشارك في وضع موسيقى تصويرية لعدد من الأفلام الهندية، كما ضمّن مغني الروك بيتر غابرييل مقطعاً من أغنيته الشهيرة "شمس الضحى بدر الدجى" في أحد مشاهد فيلم "الإغواء الأخير للسيد المسيح" (1988) لـ مارتن سكورسيزي، ووضع الموسيقى التصويرية لفيلم "الميت الذي يمشي" (1996) لـ تيم روبنز، وغيرها من أفلام السينما الهندية التي كان أحد أعمدتها الموسيقية.